Translate

مقالات

الثورة السورية تنتظر تجلياتها الإبداعية

ما يسم الثورة السورية عما سواها من ثورات الربيع العربي، هو مواجهتها لإشكال مركَّب يتجّسد بـ (الاستبداد – الطائفية)، ولعل هذا من أهم الأسباب التي جعلت منها فضاءً مفتوحًا لكل أشكال الاحتراب الدولي والإقليمي والقومي والمذهبي. فضلًا عن أن انطلاقتها السلمية، لم تتوافر لها أسباب الحصانة وعوامل النمو الضرورية لاستمراريتها الطبيعية؛ وذلك بفعل النهج الدموي لنظام الحكم الذي استطاع تحويل شكل الصراع في سورية من مواجهة بين نظام مستبد غاشم، وشعب يدفع عن نفسه الظلم ويطالب بحقوقه، إلى مواجهة بين مصالح إقليمية ودولية عملت –بفعل تفاقمها وتناقضاتها– على تغييب القضية الجوهرية في الصراع وتتمثل بمطالب السوريين في التحرر من الاستبداد واسترجاع الحقوق المسلوبة.

ربما لا نجد أي جدوى من تكرار الوقوف أمام المشهد المتشعب لمسار الثورة، ولكن لا مناص -قط- من الوقوف عند أهم العوامل التي أسهمت في انزياح الوجه الحقيقي للثورة.

كان لانحسار الطور السلمي للثورة، ودخولها مرحلة العنف المسلّح، آثار وتداعيات كبيرة، لعبت دورًا مهمًا في ما آلت إليه الأمور، ولعل في طليعة تلك التداعيات:

1 – إعطاء الفرصة لنظام الأسد باستخدام آلة القتل التي يمتلكها دون أي رادع، والتنكيل بقوى الثورة بغية استئصالها والقضاء عليها.

2 – التدخل الإقليمي مصحوبًا بالأجندات التي يحملها المال السياسي.

3 – اختراق الجماعات المتطرفة بشتى أشكالها للأرض السورية، علمًا أن نظام دمشق عمل جاهدًا في تسهيل دخولها وتغلغلها في الأرض السورية، واستطاع استثمارها خير استثمار.

4 – امتثال الكيانات الرسمية للثورة (المجلس الوطني – الائتلاف) لإرادات الجهات الإقليمية والدولية، وعدم العمل بمبدأ (المصالح المتبادلة)؛ ما أسهم في ضياع القرار الوطني وعجزه عن الإمساك بزمام المبادرة الوطنية.

5 – انحسار شبه كامل للحراك الثوري السلمي وتفرد السلاح في إدارة الصراع والتحكم بمسار الثورة، الأمر الذي ساهم في تحييد أي فاعلية سياسية سورية.

أدت هذه العوامل مجتمعةً إلى انزياح شبه كامل لمشروع الثورة وبات مصطلح (الحرب الأهلية) هو الأكثر رواجًا في وسائل الإعلام العالمية، حين تتحدث عما يجري في سورية، وبات أكثر الأسئلة تردّدًا في النفوس هو: الثورة السورية إلى أين؟ ما العمل؟

الإجابة عن هذا التساؤل تستدعي مزيدًا من التأمل والتفكير، فضلًا عن أن المبادرة العملية لمواجهة المشهد الراهن تبدو بحاجة إلى جهد جبار، وذلك؛ بسبب التحديات الهائلة والإرث الثقيل الذي خلّفته ست سنوات عاصفة في سورية.

تغيب عن الثورة السورية الهوية الناصعة الوضوح ، نتيجة لانعدام الحوامل الحقيقية لتلك الهوية، ولئن كان من البداهة القول: إن ثورة السوريين حملت مطالب التغيير الديمقراطي والخلاص من الاستبداد وسيادة العدل والقانون واسترجاع الحقوق المسلوبة، إلا أن هذه المضامين الجوهرية للثورة، لم تكن مُنتظمة أو مؤطرة في مشروع وطني شامل، تجسّده قوى أو كيانات سياسية وطنية، لها جذورها الممتدة في العمق الاجتماعي، وتحظى بتأييد شعبي واسع، ولها دور مؤثر في الواقع الميداني للصراع، هذا لا يعني – قط – غياب رؤى وتصورات وأفكار ذات قيمة جوهرية؛ تسعى إلى المساهمة في تعزيز ملامح مشروع وطني سوري، ولكن الذي نعنيه، هو أن مجمل مفردات مشروع الثورة السورية، مازالت حبيسة في نشاط المثقفين والتجمعات النخبوية والجهد الفردية، ولم تتحول إلى برامج سياسية تحملها وتسعى إلى تجسيدها كيانات سياسية تحظى بتأييد السوريين، وقادرة – في الوقت ذاته – على تجسيد تطلعاتهم.

لاستعادة هذا الوجه المغيَّب للثورة السورية ينبغي العمل – فيما أرى – على مسارين متزامنين:

الأول: إيجاد خطاب سياسي – إعلامي يتجاوز الفهم المنبثق من جميع الكيانات التي مازال وعيها يرزح فيما دون (الحالة الوطنية)، كالفصائلية والمذهبية والحزبية المتخشّبة والقومية الانتهازية، وكذلك يتجاوز الحالات الفردية الاستعراضية التي تتمثل في تشدّقات بعض الساسة والمثقفين، والتي كانت في معظم الأحيان مفارقةً لسلوك أصحابها. بالطبع، هذا الخطاب المنشود لن يتأتى من مجرد الرغبة في إيجاده، ولا من وصفة جاهزة يتم استيرادها، بل هو مرهون بوجود حوامله الحقيقية التي تتجسد بجميع الفعاليات الاجتماعية التي مازالت تحمل مشروع التغيير الوطني ومقاومة الاستبداد بكل أشكاله (أحزاب – تيارات وتجمعات سياسية – منظمات مجتمع مدني – نقابات مهنية – أفراد…)، ومما لا شك فيه، أن النهوض بهذا الأمر يستوجب من الجميع -بالضرورة- حيازة حسٍّ نقدي عميق وجرأة فكرية صادقة، وقدرة على تجاوز الذات، واختراق جدران الإيديولوجيا، وإذا كنا نفتقر إلى حيازة هذه الملكات الجوهرية-في الغالب-فإن تجاوزها أو الالتفاف عليها لا يعني سوى العجز وغياب القدرة والوعي الجاد إلى تجاوز الحالة الراهنة.

ولئن كان من المؤلم جدًا للسوريين أن يواكب العالم سيرورة ثورتهم من خلال خطاب وصور وفيديوهات ورايات، لم تكن -دائمًا- إلّا سببًا في تجذير مأساتهم، فإن العمل على إزاحة النقاب المشوّه عن وجه الثورة وإظهار وجهها الناصع بات أمرًا لا بدّ منه.

الثاني: المزيد من العمل الجاد في الميدان الإبداعي (الفكري والفني والسياسي)، ولا حاجة للقول: إن الثورة السورية كانت غنية جدًا بكشوفاتها الثقافية أكثر بكثير من إرهاصاتها السياسية، إلّا أن التعاطي الجوهري لهذه الكشوفات مازال دون المستوى المطلوب، لقد حجبت عقود الاستبداد الطويلة المجتمع السوري عن البحث في مشكلاته الاجتماعية والسياسية واختزلت وعيه بما تتيحه السلطة وتراه ضروريًا لإعادة إنتاجها وجعلت من حالة الخوف هاجسًا لا يفارق العقول والقلوب، وحائلًا دون أية مقاربة جادّة لما هو مسكوت عنه أو محظورٌ أمنيًا، الأمر الذي عزّز حالة من الموات الثقافي السوري، باستثناء حالات نادرة تجسدت في قدرة بعض المثقفين السوريين على تجاوز كوابح المحظورات، وغالبًا ما دفعوا ثمن هذا التجاوز بالموت أو السجن أو الغربة القسرية.

لقد أتاحت الثورة للوعي السوري الطامح إلى الحرية أن يقارب بعمق، ويبحث بجدية، ويواجه بجرأة وصدق مجمل مشكلاته التي تُعدُّ شرطًا محايثًا لتطلعه نحو حياة أفضل (مفهوم الوطنية – بناء الدولة – تداول السلطة – قضايا الاستبداد – مفهوم المواطنة – الطائفية ونظام الحكم….).

الثورات لا تفصح عن ذاتها بالبنادق والهتافات والشعارات فقط، بل بتجلياتها الإبداعية فكرًا وأدبًا وفنًا أيضًا، ولهذا أعتقد أن ادوارد سعيد ومحمود درويش وغسان كنفاني وإحسان عباس ويوسف سامي اليوسف وسواهم من المبدعين الفلسطينيين كانوا أبرع وأرقى من بعض الكيانات السياسية والعسكرية بالتعريف بهوية القضية الفلسطينية.

الثورة السورية عظيمة بتضحياتها وقيمها ومقاصدها، وهذا النبل الثوري السوري مازال ينتظر تجلياته الإبداعية التي توازي مكنوناته القيمية.


حسن النيفي - رئيس المكتب السياسي


17 – 03 – 2016
--------------------------------------

حزب النداء الوطني الديمقراطي
بعد عام من انطلاقته


بحلول هذا اليوم (18 – 10 – 2016) يكون حزب النداء الوطني الديمقراطي قد طوى حولاً كاملاً على لحظة انطلاقته من خلال مؤتمره الأول، ولعله من البدهي أن يقف كل منا أمام ذاته ولو لحظات ليقول: ما الذي حمله عام مضى؟ وما الذي أنجزه الحزب خلال العام الفائت؟ وما هو استشرافنا لما سيأتي من الأيام؟ قد تبدو الإجابة ميسورة إذا تجرّدنا أو استبعدنا الشرط التاريخي المحايث لسيرورة عملنا، ولكن ما يجعلنا غير قادرين على تقديم إجابات تقليدية هو أن القدر الذي أطّر نشأة حزبنا يجعلنا محكومين- رضينا أم لم نرض- بمعايير لا تطال حزب النداء فحسب، بل تطال مجمل القوى السياسية السورية، بل قوى الثورة برمتها.

وغني عن القول إن حزب النداء هو واحد من الأحزاب الجديدة التي اقترن تاريخ نشأتها بتاريخ الثورة السورية، وبالتالي فإن كل ما طرأ على الثورة من تشعبات ومنعطفات سينعكس – بلا شك – على نموّ هذا الحزب وتوجهاته.

ولئن كان الدور الذي تؤدّيه الأحزاب – بالمعنى التقليدي – يكاد ينحصر في إنتاج الرؤى والتصورات، وإنجاز المشاريع السياسية المُستمدة من الواقع المعاش للمواطنين، وكذلك استشراف المستقبل وبناء استراتيجيات تلبي حاجات مستقبلية للشعب، إلّا أن هذا المُنجز المنظور ربما يكون كافياً عندما يكون الحزب يمارس نشاطه وفعالياته في فضائه الطبيعي، وأعني بذلك فضاء الثورة السورية قبل أن تخترقه حاملات الطائرات العابرة للقارات، والمشاريع الجهنمية لقوى الهيمنة والاستعمار، وتحوّل الأرض السورية إلى مسرح لصراع المصالح الإقليمية والدولية، وفي الوقت ذاته بات غياب السوريين عن المشهد أمراً لا يحتاج إلى برهان، فلا الإئتلاف، ولا قبله المجلس الوطني، ولا الفصائل العسكرية المتغوّلة، استطاعوا بإمساك زمام المبادرة الوطنية، والحفاظ على القرار الوطني، بل بات معهوداً بأذهان الجميع أن حلّ القضية السورية لن يأتي إلا من خلال توافقات دولية وإقليمية، وهذه التوافقات ستكون الأولوية فيها لمصالح الآخرين وليس لمصالح السوريين.

لا شكّ أن هذا المشهد القاتم، لا نهدف من وراء استجلائه إلى إحلال القنوط والإحباط في النفوس، بل لعلّنا على يقين من أن الوقوف أمام الحقائق ولو كانت مؤلمة، هو خير بكثير من القفز من فوقها، ولعلّنا على يقين أيضاً من أن إيماننا بعدالة قضيتنا ومشروعية ثورتنا يجعلنا أكثر قدرة على مواجهة الصعاب، ويزيدنا عزيمة في المضي على الطريق الذي اخترناه على الرغم مشاقه ومصاعبه.

ثمة هدفان أو غايتان كان وما يزال حزب النداء يعدّهما إحدى أولوياته في الوقت الراهن،

أولهما: وحدة العمل الوطني، من خلال استقطاب كل القوى الوطنية الديمقراطية، والعمل على صياغة برنامج سياسي وطني موحد تعمل على تجسيده جميع قوى الثورة، وهذا ما تجسّدت بوادره في (التجمع الديمقراطي السوري) الذي كان حزب النداء أحد المساهمين في تأسيسه وبلورة توجهاته.

وثانيهما: استرجاع القرار الوطني، وعدم مفارقة النضال الوطني للقيم الجوهرية والمبادئ الأساسية للثورة السورية، على الرغم من تزاحم الأجندات الخارجية ومحاولتها الحثيثة لاجتياح ملاح الثورة ومحو نصاعتها. وذلك لن يتحقق إلا بالالتصاق بالشرائح السورية التي يتجدد إيمانها يوماً بعد يوم بأن ثورة السوريين هي ثورة على الظلم والاستبداد، هي ثورة الشعب السوري بكل مكوناته العرقية والدينية من أجل الانتقال إلى دولة العدالة والديمقراطية والمواطنة.

ما أنجزه حزب النداء بعد عام من انطلاقته، بكل تأكيد لا يوازي طموح أعضائه ولا يوازي كذلك تضحيات أهلنا السوريين، وما ينتظرنا من عمل- سواء على المستوى التنظيمي أو السياسي أو الاجتماعي- هو كثير جداً، ولكن ما يمكن تأكيده أيضاً، هو أن الثورة السورية هي ثورة أجيال، وليست طفرة مرحلية كما يدّعي البعض، وأن الحرب الدائرة على الأرض السورية هي حرب كونية تذكي جذوتها كل قوى الطغيان في العالم، وليست حرباً بين الشعب السوري ونظام آل الأسد فحسب.

دموية المشهد السوري بكل تفاصيله مؤلمة جداً، ولكنّ إيماننا بالله، وبعدالة قضيتنا، ونبل وسموّ أهداف ثورتنا، سيجعل من هذه الآلام دروباً نحو سورية الغد الأجمل والأرقى. وإننا إذ نؤكد ذلك فإننا لا نحلم، أو نتأمل فحسب، بل نستلهم منطق الحق، ومآلات الثورات العادلة خلال التاريخ.



حسن النيفي - رئيس المكتب السياسي

18 – 10 – 2016


--------------------------------------



بوتين وثورة السوريين




على الرغم من الزخم الإعلامي الأوروبي المناهض للعدوان الروسي المستمر على مدينة حلب، وخاصة من جانب فرنسا وبريطانيا، والذي تجاوز مرحلة ردود الفعل الآنية والمُرتجلة، واكتسى طابعًا رسميًا، تجسّد في تصريحات لرئيسي حكومتي الدولتين، تدينان العدوان الروسي بشدة، وتُعدّانه جريمة بحق الإنسانية، وتُوِّج برفض الحكومة الفرنسية استقبال بوتين في باريس، إلّا أن هذا الموقف المهم جدًا، لم يجدِ في كبح العدوان، أو تخفيف معاناة السوريين الذين تقصفهم طائرات بوتين، بل لعلّ الأمر بعكس ذلك؛ إذ إن شراسة الروس قد ازدادت ضراوة في حلب، وعلى المستوى السياسي، ازدادت مواقف حكومة بوتين صلفًا وإصرارًا على العدوان، تحت لائحة الذرائع ذاتها، والتي تتمثل بوجود (جبهة النصرة)، وفصائل “إرهابية” أخرى في القسم الشرقي من حلب “المحررة”.

ثمّة ما يدفع إلى الوقوف عند أمرين اثنين: أولهما؛ أن بوتين يُدرك جيدًا أن الرفض الفرنسي – البريطاني، وكذلك الرفض الأوروبي لعدوانه، لن يتخطى تخوم الإعلام، طالما أن المصالح الأوروبية المادية لم تتعرّض لخطر من جرّاء هذا العدوان، كما يدرك -أيضًا- أن الوازع القيَمي أو الأخلاقي في إدانة العدوان، من المُستبعد -في ظل الأوضاع الراهنة- أن يتحوّل إلى فعل له تأثير مادي ملموس، ثانيهما؛ أن حملة الإدانة الأوروبية لروسيا غالبًا ما تُنتِج مفعولًا عكسيًا داخل روسيا، فثمة إرث سيكولوجي “شيوعي”، ما تزال آثاره كامنة في الشعب الروسي، ولعلّنا نتوهّم إذا اعتقدنا بزواله نهائيًا خلال عقود قليلة من الزمن، ويتمثّل هذا المُنتَج النفسي برصيد هائل ومتراكم من التعبئة الشعبوية ضد “أعداء الإمبريالية الغربية” التي “تُجسّد قمة الشرّ”، وذلك موازاةً لشعور عام لدى قطاعات واسعة من الروس، ترى في التدخل الروسي في القضية السورية سبيلًا إلى استعادة روسيا دورها الإمبراطوري على المستوى الدولي.

هكذا يبدو أن مجمل الضغوط الإعلامية التي يمارسها الغرب على بوتين، تتحول لديه إلى حاجة تُستثمر داخليًا لزيادة شعبيته، التي تنظر إليه كبطل يسعى لإعادة “المجد” السالف للروس.

لكن، ألم يكن من الممكن للدول العربية والإسلامية (الحليفة للثورة السورية)، أن تكون صاحبة دور في تعزيز الضغط الإعلامي الأوروبي على حكومة بوتين، وتحويله إلى مواقف ذات فاعلية أكثر في لجم العدوان، قد لا تحتاج الإجابة إلى كثير من التفصيل، ذلك أن مجمل المواقف الرسمية للعرب مُخيّبة، فالموقف المصري في مجلس الأمن الذي صوّت لصالح المشروعين (الفرنسي والروسي في آن معًا) يكاد يختزل العديد من الدلائل التي تؤكّد التنصّل التام من المسؤولية حيال حرب إبادة يتعرض لها السوريون، ثمّ إن الموقف السعودي العاتب على المصريين، لم يتعدَّ عتبه الحدود الإعلامية، وكنّا نتمنّى لو أنه تحوّل إلى احتجاج رسمي للخارجية السعودية، تُطالب فيه الحكومة المصرية بإبداء موقف واضح وصريح في شجب العدوان على الشعب السوري، فضلًا عن موقف الجامعة العربية البائس، والخاذل للشعب السوري، ثمّ جاء ما يعزز إضعاف موقف السوريين والأوروبيين معًا، وهو الزيارة التي قام بها بوتين إلى تركيا الإثنين الماضي، موازاة مع حمم الموت الروسية التي تمطر الأحياء المدنية في حلب.

إن الوقوف على تقييم المواقف الإعلامية الإقليمية والدولية لا ينبع من قناعة بالتعويل عليها وحدها، وعدّها الوسيلة الوحيدة لمجابهة العدوان الروسي – الأسدي، بل تنبع من إدراك حقيقة مؤلمة، تتجسّد في حالة اليُتْم التي حلّتْ بالثورة السورية، إذْ وحدهم السوريون هم الغائبون عن مشهد قضيتهم، وإن حضروا، فإن حضورهم ليس أكثر من صدى لمصالح مَنْ يُمسك بخيوط قضيتهم، ولعله لم يعد جديدًا القول بأن الأرض السورية غدت مسرحًا لصراع مصالح إقليمية ودولية، وأن إيجاد حل سياسي للقضية السورية سيكون مرهونًا بتوافق تلك المصالح.

أخفقت الكيانات “الرسمية” للثورة السورية (الائتلاف الوطني لقوى الثورة، وقبله المجلس الوطني) في تمثيلٍ يليق بثورة السوريين، ويوازي تضحياتهم، لكن هذا الإخفاق لن تُعفى من جريرته بقية القوى الأخرى، المتمثلة بالأحزاب والتيارات والتجمعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ولن يجدي الادعاء ببعدها عن مركز اتخاذ القرار، أو عدم حصولها على شرعية دولية أو إقليمية، ذلك أن مصدر الشرعية الأهم لا يكون في مصادر الدعم المادي الإقليمي أو الدولي (على أهميته)، ولا يتأتى من قادة وأمراء حرب “متأسلمين”، أمسكوا ببقع جغرافية من الأرض السورية، وإنما يتأتى -بالدرجة الأولى- من الإيمان المطلق بعدالة القضية السورية، ومن الدماء التي سالت على الأرض، إيمانًا من أصحابها بأن ثورة السوريين هي لأجل الحرية والخلاص من الاستبداد، وتحقيق العدالة والكرامة لكل السوريين، وكذلك تكمن الشرعية لدى جميع السوريين الذين ما يزالون يُناضلون ضد كل أشكال القهر والظلم، أيًّا كانت هويته ومصدره، ويؤمنون  بأن الخلاص من الاستبداد مرهون بإقامة دولة الديمقراطية والمواطنة، وهذا لا يعني أننا نتحدث عن شرائح افتراضية من السوريين، ولا هو أحلام رومانسية ثورية، وإنما نتحدث عن جماهير سورية واسعة، سواء في الداخل السوري، أو في المنافي ودول اللجوء، يزداد يقينها رسوخًا بقيم الثورة ومبادئها، كلّما أوغل النظام وحلفاؤه في الإجرام.

إن عودة الأحزاب والقوى الوطنية الديمقراطية للالتحام بجماهير الثورة، والعمل على تعزيز قيمها على المستويات الشعبية، محليًا وعربيًا ودوليًا، هو سبيل متاح، وقد يرى بعضهم في ذلك عودة إلى نقطة الصفر، لكن ثورة السوريين هي ثورة أجيال، وليست طفرة مرحلية، فضلًا عن أن البناء السليم، ولو كان بطيئًا، هو أجدى -بكثير- من القفزات الوهمية التي لن تثمر إلا الخذلان.



حسن النيفي

17/10/2016

--------------------------------------



المثقف – السياسي

لا تهدف هذه المقالة الوجيزة إلى التنقيب النظري في علاقة الثقافة بالسياسة بوجه عام، بقدر ما ترمي إلى البحث في التجليات الواقعية لهذه الظاهرة؛ لإيماني العميق بأن الثقافة -في جوهرها- سلوك متعدّد الأوجه، ولكنه محكوم دومًا بالقيمة، وليس مفهومًا نظريًا فحسب، يجتهد الناس في البحث عن ماهيته وتحديد معالمه.

يحيل معظم النتاج الذهني للتيارات والقوى السياسية السورية -منذ مرحلة الأربعينيات وحتى اللحظة- إلى طغيان الهاجس السياسي على النزوع الفكري أو الثقافي؛ إذ سرعان ما يتحول حديث أي مفكر أو سياسي إلى حديث في السياسة؛ يتناول الشأن العام، لكن دون أن يتقوّم هذا الهم السياسي على مراكمات معرفية ثقافية، وهذا ما يجعل الحديث في السياسة أقرب ما يكون إلى العمل الارتجالي الذي لا يتأسس على رؤى وثوابت نظرية ضابطة للسياسة. أضف إلى ذلك، أن الاهتمام بالجانب السياسي، لم يُنتج مراكمات سياسية ناتجة عن دراسات ممنهجة وجهد معرفي في حقول علم السياسة، مثلًا كالبحث في (نظرية الدولة، أو علاقة المواطن بالسلطة، أو دور المؤسسات والكيانات السياسية في المجتمع)، بل يمكن الحديث عن مُنتَج كمّي كبير، يتراوح بين التنظير الأيديولوجي للأفكار الجاهزة، والنزوع الحماسي لتحليل الأوضاع القائمة؛ الأمر الذي كان يحول -دومًا- دون مقاربة الواقع مقاربة ثقافية، تحاول توظيف الفكر المجرّد في رؤية الواقع، كما هو. ولعلّ غياب الحضور الحقيقي للثقافة، في العمل أو الإنتاج السياسي، قد أفضى إلى هيمنة البديل الأيديولوجي؛ إذ غالبًا ما كان يُنظر إلى الممارسات الأيديولوجية على أنها نشاط فكري مثالي، صالح لأي مقاربة يقوم بها رجل السياسة، حيال الواقع، وهذا ما تؤكده لنا معظم النتاجات التي خلّفها القوميون في مرحلة الخمسينيات والستينيات وكذلك الاشتراكيون والإسلاميون، أي إن هؤلاء جميعًا تحدثوا كثيرًا في السياسة، وكذلك فصّلوا القول -كثيرًا- في كيفية وجوب التعامل مع المستجدات، ولكن لم نجد في معظم ما كتبه السياسيون، منذ أواخر عصر النهضة وحتى اللحظة الراهنة، (نظرية في بناء الدولة )، أو (بحوثًا مميّزة وذات منهجية علمية تتناول أي شأن سياسي آخر).

ويمكن القول بمزيد من التأكيد: إن مجمل التشكيلات السياسية السورية التقليدية -من أحزاب وتجمعات وتيارات وأفراد- تُعدّ الحامل الحقيقي لموروث سياسي غنيّ بالزخم الأيديولوجي، ويفتقر كثيرًا إلى الجانب المعرفي والثقافي. فإشكالية الأحزاب في المجتمع السوري، ليست إشكالية ناتجة عن وضع سياسي مأزوم فحسب، بل المشكلة –في ما أعتقد– تكمن في صلب أزمة الثقافة؛ إذ ثمة قطيعة واضحة -خلال عقود- خلت بين السياسة والثقافة، ذلك أن السياسة -حتى تكون قادرة على استنباط مضامينها ومشروعيتها من السياق الاجتماعي لحياة المواطنين- يجب عليها أن تتأسس على حوامل معرفية متينة، ومتضمنة لحدود من المعقولية. ولعله من المؤسف جدًا أن مراجعة دقيقة للإرث السياسي الذي خلفته المعارضة السورية -منذ مرحلة ما بعد الاستقلال- يُظهر -بوضوح- ضحالة وهزال الحوامل المعرفية والثقافية التي تتقوّم عليها السياسة. وفي الوقت الذي كان من المفترض فيه أن تكون فرصة عظيمة لفتوحات ثقافية وفكرية هائلة، وأعني بذلك ثورات الربيع العربي عمومًا، والثورة السورية على وجه الخصوص، والتي كانت زاخرة بكشوفاتها الثقافية أكثر بكثير من إرهاصاتها السياسية؛ إلا أن المؤسف حقًا، هو بقاء الانشطار الكامل بين السياسة والثقافة. ومازال ثمة هروب أو خشية لرجال السياسة من مقاربة واقع الثورة مقاربة ثقافية، قادرة على اختراق الأنساق الأيديولوجية ومتسلحةً في الوقت ذاته برؤى وتصورات منبثقة عن وعي معرفي عميق، وليس عن تصورات تقليدية أو عقدية.

إلّا أن القصور الذي يُتّهم به رجل السياسة لم يكن رجل الثقافة مبرأً منه؛ إذ أتاحت لنا الثورة السورية أن نرى -عن قرب- التجسيدات العملية للمُنتج الثقافي السوري الذي يترجم -بكل تأكيد– مدى فهم واستيعاب العديد من المثقفين السوريين لطبيعة مفهوم الثقافة. لن أقف –بالطبع– عند عديدين ممن عدّوا أنفسهم قد حازوا على سلطة معرفية من حيّز مفاهيمي هو أرقى من الواقع الاجتماعي، وأن هذه السلطة تخوّلهم حقّ النأي بأنفسهم عن الواقع المعاش، وبالتالي؛ هم غير معنيين بكل ما يلامس الحياة العامة للمواطن، كالقهر والاستبداد والتعذيب والجوع والفساد وقضايا الحريات والحقوق…إلخ، فهؤلاء قد برّروا لأنفسهم الابتعاد التام عن الشأن العام، ولذلك؛ لا يعنينا أمرهم في هذا السياق. ولكنّ قسمًا آخر من المثقفين المعروفين، تصدّروا المشهد الثقافي من خلال تماهي جهدهم الثقافي بالشأن العام، وظلوا طوال عقود من الزمن يحملون سمة (عضوية المثقف)، ومنهم من غدا مُنتجه الثقافي مصدر تنظير للعديد من القوى والأحزاب السورية. لكنّ المفارقة المؤلمة أنه عندما أُتيح لقسم من هؤلاء الانخراط في مؤسسات الثورة السورية (المجلس الوطني- الائتلاف – الحكومة الموقّتة) وأُعطي الفرصة الكاملة لممارسة دوره الحقيقي كمثقف، سرعان ما انزاح عن مجمل ثوابته الثقافية القيمية، وانسلّ من حيّزه الاجتماعي الشعبي الذي برز من خلاله، واستثمر كل مخزونه البراغماتي مبرّرًا -بخطاب استعلائي أجوف- سلوكه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، ولتتحوّل مجمل قناعاته بديمقراطيته المزعومة، إلى نزعة فردية استبدادية، تجعله يرى في نفسه حالة استثنائية بالغة الطهورة دائمًا، بعيدة عن النقد والتصويب، بل غالبًا ما تكون نزعته السلطوية الاستبدادية حائلًا بينه وبين الاعتذار الذي هو قيمة ثقافية راقية بحد ذاتها، أو الاعتراف بالقصور أو الخطأ. فمجمل هذا النوع من المثقفين السوريين يرون في أنفسهم حالة نخبوية تحوّلت بفضل(نضالاتها) إلى حالة (ما فوق وطنية)، وهذا ما يستوجب –وفقًا لقناعاتهم– عدم اعترافهم بالخطأ، أو عدم اعتذارهم للسوريين بالفشل، وبالتالي؛ يستوجب أيضًا سكوت جمهورهم التقليدي عن محاسبتهم.


البراغماتية المفرطة والخواء الثقافي والمعرفي عند السياسي، يقابلهما الزيف المعرفي والانفصام الأخلاقي والقيمي، والسلوك الانتهازي عند المثقف، كلها من الموجعات المميتات ليس لأصحابها فحسب، بل لمجمل السوريين الذين يؤمنون بأن عملية التحرر الوطني والاجتماعي لا بدّ أن تتجلّى إرهاصاتها في الوعي أولًا.


حسن النيفي

10/10/2016



--------------------------------------




المواطنة ومنظمات المجتمع المدني في الوعي السوري

بقلم: حسن النيفي

تتعدّد دلالات مفهوم المواطنة بتعدّد الحقول المعرفية التي ينشأ فيها، ذلك أنَّ لكلِّ سياق ثقافي خصوصيَّته المعرفية والاجتماعية، وهذا ما يدعونا لاستجلاء دلالات مفهوم المواطنة من منظورات عديدة.
في اللغة العربية: المواطنة مأخوذة من الوطن، وهو المنزل الذي يقيم فيه الإنسان، والوطن جمعه أوطان، والمَواطن: جمع موطن وهو المكان أو المشهد من مشاهد الحرب، قال تعالى:(لقد نصركم الله في مواطن كثيرة). ومواطنة هي المصدر من الفعل: واطن، على وزن: فاعَل ويتضمن معنى المشاركة، والوطنية تعني حبَّ الوطن وما ينشأ عن ذلك من مشاعر عاطفية.
وتعرّف دائرة المعارف البريطانية (المواطنة) بأنها علاقة بين الفرد والدولة كما يحدّدها قانون تلك الدولة، وما يصاحبها من حقوق ومسؤوليات.
وتشير الموسوعة الدولية إلى أن المواطنة هي عضوية كاملة في دولة أو بعض وحدات الحكم وأن المواطنين لديهم حقوق مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وعليهم واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن بلدهم.
في حين أن نظرية العقد الاجتماعي لـ "جان جاك روسو" تؤكد أن المواطن له حقوق إنسانية يجب أن يحصل عليها وفي الوقت ذاته عليه مسؤوليات يجب تأديتها.
كما ارتبط مفهوم المواطنة لدى بعض الدول بمعنى الجنسية، فالشخص الذي لا يملك جنسية في دولة معينة فلا يُعدّ مواطناً.
إلا أنه في القرن الواحد والعشرين بات مفهوم المواطنة ينحو منحىً عالمياً وأصبح يتحدّد بعدّة صفات أهمها:
1 – الإقرار بتنوع الثقافات –2 – احترام الآخر وحريته -3 – الإقرار بوجود ديانات مختلفة 4-الاعتراف بالتنوع الإيديولوجي والسياسي – 5 – التنوع الاقتصادي – 6 – المساهمة في السلم العالمي ....
يتضح مما سبق أن مفهوم المواطنة هو المجال الأكبر الذي يستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع، إذ تنصهر في داخله جميع الانتماءات لصالح الوطن، كما أنه يتضمَّن مجمل المعايير التي تحدّد ما للأفراد وما عليهم من حقوق والتزامات.
ولكن من جهة أخرى ينبغي التأكيد على أن ممارسة المرء لحقوقه وتأديته لواجباته لا بدّ لها من أن تتجسّد بآليات ووسائل وتضبطها معايير، ولا بدّ لهذه المعايير من جهة تشرف عليها وتعمل على ضبطها وقوننتها، وفي هذه النقطة بالذات يكون مفهوم المواطنة قريناً بمفهوم الدولة من جهة، وقريناً بمفهوم المجتمع المدني من جهة أخرى.
فمنذ انطلاق الثورات البرجوازية (الفرنسية والبريطانية وحرب الاستقلال الأمريكية) فقد تقوّضت سلطة الكنيسة وتلاشى مفهوم الحكم المطلق، وبدأت الولاءات العائلية والطائفية تزول شيئا فشيئاً، وفي الوقت ذاته بدأت تترسخ عدّة مفاهيم تتضمن مشاركة شعبية واسعة في صنع القرار، وكذلك مبدأ تداول السلطة سلمياً، وحق الترشح للانتخابات، وحق المساءلة والمحاسبة والاستناد إلى الدستور، ومبدأ الفصل بين السلطات، ومنع احتكار السلطة، والتغوّل في أجهزة الدولة ...
وفي موازاة ذلك بدأت تتشكل مؤسسات مدنية مستقلة ترفد الدولة وتراقب وتصوّب ممارساتها وتشارك في تحقيق الكثير من المهام والوظائف الاجتماعية التي عجزت أو تخلت الدولة عن تحقيقها.
يمكن القول إذاً: إن المجتمع المدني هو مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تهدف إلى تحقيق مصالح الأفراد وتقديم خدمات للمواطنين وممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم هذه المنظَّمات بقيم ومعايير التَّراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السَّلمية للتنوع والاختلاف. ويشير علماء الاجتماع إلى أربعة مقوّمات يتقوّم عليها المجتمع المدني:
1 – الفعل الإرادي الحر والتطوعي.
2 – التواجد في شكل منظمات.
3 – قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين.
4 – عدم السعي للوصول إلى السلطة.
وبناء على ذلك، يمكن أن يتضمن المجتمع المدني النقابات المهنية والحركات الاجتماعية والجمعيات التعاونية والأهلية وهيئات التدريس والنوادي الرياضية ومراكز الشباب والاتحادات الطلابية والصحافة الحرة ووسائل الإعلام والنشر ومراكز البحوث والدراسات.



أزمة المواطنة في سوريا
اتسمت مرحلة ما بعد الاستقلال بإعلاء الحس الوطني السوري فوق الروابط ما قبل القومية، إذ رفض السوريون آنذاك أن تكون الهويات والانتماءات المحلية قاعدة للاجتماع السياسي. وبمجيء ثورة الثامن من آذار عام 1963 لم تُتح السلطات المتعاقبة الفرصة للسوريين للحديث عن هويات متعددة بوضوح وشفافية، حيث طغى خطاب قومي متعالٍ حاول ردم الأزمات أو دفْنها بدلاً من البحث في حلول لها. لقد عُرف المجتمع السوري بتنوعه من حيث الأعراق والديانات والمذاهب، ولم يكن هذا التنوع مصدر أزمة تنذر بالانفجار لو أُتيح له المناخ الديمقراطي الملائم لبلورة المفاهيم والقناعات وتحديد الحقوق والواجبات معاً، وكذلك كان من الممكن جداً أن يكون هذا التنوع مصدر قوة وثراء لسوريا والسوريين لو كان منتظماً في عقد اجتماعي يسهم السوريون جميعاً في صياغته وتحديد ملامحه ويحظى بقبول الجميع.
لا تتجسّد أزمة المواطنة في سوريا في غيابها عن وعي السوريين، بل تتجسد في تغييبها، وفي محاولة إيجاد أشكال أخرى من الولاءات تلبي رغبة وحاجة السلطة الحاكمة أكثر مما تعبر عن نزوع وطني حقيقي لدى المواطنين. لقد فرض نظام البعث منذ مجيئه إلى السلطة فهماً قسرياً وفوقياَ لمفهوم المواطنة، ولعل هذا الإجراء القمعي لا تطال تداعياته مكوّناً محدّداً من مكوّنات الشعب السوري بقدر ما تطال المجتمع برمته، وهذا لا ينفي – بالطبع – أن بعض المكوّنات قد طالها الأذى أكثر من سواها – كما حال الإخوة الكرد – بسبب حرمان قسم كبير منهم من حق الجنسية بالإضافة إلى حقوقهم الثقافية والاجتماعية.
تجليات الأزمة
منذ عام 1970 يعتاش نظام الأسد على خطاب قومي تقليدي يخفي تحته كل سوءات الاستبداد والتسلط والفساد وحرمان السوريين من أدنى حقوقهم المشروعة، فتحت شعار (تحرير فلسطين ومقاومة الصهيونية وتحرير الجولان والعمل من أجل الوحدة العربية ) فقد تمّ فرض قانون الطوارئ واستمرار العمل بموجبه طيلة ما يقارب نصف قرن من الزمن، وكذلك تم تعطيل الدستور وتغييب الحريات وعدم السماح بتشكيل الأحزاب السياسية، وفي موازاة ذلك كان هناك تغوّل كبير لأجهزة الأمن وسعيها المستمر لمحاصرة المواطن والتضييق عليه ليس بمصادرة حقوقه السياسية فحسب، بل في أدنى حقوقه المعيشية أيضاً. وبات أي حديث أو تلميح إلى حقوق المواطن في الحرية والعيش الكريم يُعدّ مساساً بأمن الدولة وتهديداً لسلامتها، وكذلك بات أي حديث عن حقوق مكوّنات الشعب السورية الثقافية أو الاجتماعية يُعدّ ضرباً من الخيانة أو محاولة لتفتيت الدولة. كما بات ينظر إلى أي نقد أو ملاحظة يبديها المواطن تجاه رجل السلطة تُعدّ على أنها مساس بهيبة الدولة قد يدفع المواطن حياته ثمناً لها، مما أدّى إلى اختزال القيم الوطنية في شخص الحاكم الذي يتمتع بالمنعة والعصمة من أي نقد أو ملاحظة. وكان من نتيجة ذلك أن قوّة الدولة وهيبتها أصبحت تتجسدّ بقوة رجال الأمن وخفر السلطة، الأمر الذي يؤكد أن شرعية نظام الأسد كانت تُستمدّ من آلة القمع التي يمتلكها وليس من قناعة المواطنين الذين يحكمهم.
ولعلّ المشكلة – فيما أعتقد – لا تكمن في مفردات الخطاب القومي التقليدي الذي كان نظام البعث يعمل على إعادة إنتاجه على الدوام – على الرغم من تحفظاتنا الكثيرة على ذلك الخطاب – بل إن المشكلة الجوهرية إنما تكمن في توظيف هذا النظام لمفردات الخطاب وجعلها ستاراً لممارساته الجسيمة بحق السوريين، وكأن تحرير فلسطين والجولان ومقاومة الصهيونية وإقامة الوحدة وكل شعارات الممانعة التي يدعيها أصبحت مرهونة باغتصاب الحريات ومصادرة الحقوق وإذلال الشعب والإجهاز على المجتمع.
عطالة المجتمع المدني في سوريا
لقد شهد تاريخ سوريا الحديث بذوراً ملموسة لنشاط المجتمع المدني، حيث تشير الدراسات إلى تأسيس أول جمعية خيرية في دمشق عام 1880 وهي (جمعية ميتم قريش الخيرية). وفي عام 1959 صدر قانون التأمينات الاجتماعية، حيث تم تكليف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بمراقبة عمل الجمعيات ونشاط المجتمع المدني. وشهد العام 1974 نقطة تحول حاسمة في عمل منظمات المجتمع المدني، إذ تم إصدار قرار يتم بموجبه تحديد أنظمة الجمعيات ضمن إطار عام يشمل (13) بنداً يضمر معظمها تدخلاً سافراً في شؤون الجمعيات والحدّ من حريتها وحرفيتها، كما يضمر رغبة السلطة بالهيمنة على عمل المنظمات المدنية.
وفي إحصائية لعام 1994 بلغ عدد الجمعيات في سوريا (625) جمعية موزعة على النحو التالي:
1 – 240 جمعية خيرية.
2 – 127 جمعية ثقافية.
3 – 203 اتحادات اجتماعية ونوادٍ.
4 – 26 جمعية صحية.
5 – 29 جمعية تعاونية
إن المفترض والمأمول أنت تمارس منظمات المجتمع المدني نشاطاً يكمل دور الدولة ويساعد على تنشيط قيم المبادرة لتخطي مرحلة الاعتماد على الدولة في كل أمر، ولكن يمكن القول: إن مؤسسات المجتمع المدني في سوريا لم تمارس دوراً ملموساً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع، ولم تفلح هذه المؤسسات في إضفاء الطابع الشعبي عليها، والذي يمكن أن يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري يحتاجه مجتمعنا، من شأن هذا الدور أن يسهم في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي للمجتمع والمشاركة في صياغة السياسات العامة بما يحقق مصالح المواطنين.
ويمكن تحديد أهم المآخذ على منظمات المجتمع المدني في سوريا بما يلي:
1 – القيام بدور الوسيط فقط بين الجهة الداعمة والجهة المدعومة دون المشاركة الفعلية في رسم وصياغة السياسات.
2 – التعتيم الإداري والتنظيمي داخل المؤسسات.
3 – عدم وجود شفافية كاملة في الحسابات المالية.
4 – الاعتماد على الولاءات الشخصية في تعيين الموظفين والعاملين على حساب الخبرات والكفاءات.
أما المعوّقات والأسباب التي حالت دون وجود دور فعّال لمؤسسات المجتمع المدني فيمكن تقسيمها إلى اثنتين:
1 – معوّقات عامة: وهي لا تخص المجتمع المدني في سوريا فحسب، بل يمكن تعميمها على الدول النامية عموماً، ولعلّ أبرزها – وفقا للتقارير الصادرة عن المراكز العربية للتنمية – فقدان الحرية – ضعف دور المرأة – المستوى المتدني للمعرفة. إذ إنه من الصعب أن نلحظ نتائج مبتغاة لمنظمات المجتمع المدني في دول ذات نظم استبدادية وبيروقراطية تعيش أزمة خانقة على جميع الصعد.
2 – معوّقات خاصة: تتلخص بمجمل الممارسات الأمنية التي تمارسها السلطات السورية فيما يتعلق بنشاط الجمعيات على مختلف أنواعها، إذ إن نظام الحكم القائم قد أخضع جميع الأنشطة المجتمعية لمراقبة شديدة، إن أية مؤسسة في سوريا يجب أن تعمل وفقاً لمشيئة السلطة الحاكمة وبالطريقة التي تعيد إنتاج السلطة وتعمل على شرعنة سلوكها، وفي هذه الحال تتلاشى الوظيفة الجوهرية للمجتمع المدني والتي تتمثل بالدور الشعبي الرديف للدولة وليس المنضوي في فلكها وسياساتها.
يمكن التأكيد على أن خضوع سوريا لما يقارب من خمسة عقود من الزمن لحكم سياسي مستبد قد وضع الدولة السورية خارج السياق الحضاري للعالم، وذلك من خلال حرمان المجتمع السوري من الاستقلال الاجتماعي أو الانتظام المستقل.
لقد جاءت الثورة السورية في ربيع عام 2011 لتزيل الركام عن عمق الإشكاليات والتناقضات المركونة والمسكوت عنها طيلة فترة طويلة من الزمن، ولعل فداحة الأمر- فيما أعتقد- إنما تتجسد في انفجار هذه الإشكاليات المجتمعية دون ضابط قيمي أو قانوني يمكّن من السيطرة عليها، وليست مظاهر التطرف والنزوع إلى العنف المسلح وكذلك الخطاب السافر عن الطائفية والمذهبية، أضف إلى ذلك التراجع الجماعي إلى المكوّنات والولاءات الفرعية البدائية كالعشيرة والطائفة والمذهب، إلا نتاجاً طبيعياً لسبات اجتماعي وسياسي طويل، بل لتخلف شديد ألجأ السوريين إليه نظام شمولي مستبد.
إلا أنه من جهة أخرى، لا يمكن تبرئة النخب السياسية والثقافية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من المسؤولية عما آلت إليه الحال، فعلى الرغم من انعدام الشروط الصحية للعمل السياسي في سوريا، وكذلك على الرغم من اغتيال السلطة للمناخ الاجتماعي الآمن الذي يتيح للأفراد الحصول على حقوقهم، فإنه من جانب آخر لا يُظهر الخطاب الثقافي والسياسي للمعارضة والنخب السورية رغبة جادة في محاصرة وتفكيك الإشكاليات الناجمة عن مرحلة الاستبداد، فحديث السوريين ونقدهم للطغيان والاستبداد لا يوازيه مشروع ثقافي واضح المعالم والأهداف والآليات لمكافحة الطغيان والاستبداد، وكذلك نقد الطائفية والمذهبية لم يتأطر ضمن مشروع سياسي أو ثقافي ممنهج يهدف إلى تشخيص الظواهر ووضع آليات ووسائل لحلها.
وإني على يقين من أن الثورة السورية غنية بكشوفاتها المعرفية والثقافية أكثر بكثير من إرهاصاتها السياسية، ولكن المعضلة تكمن في عدم إدراك القيمة الحقيقية لفاعلية الثقافة ودورها في تشكيل وعي اجتماعي قادر على استيعاب وتخطي التناقضات الاجتماعية، وقادر في الوقت ذاته على إنتاج تصورات ورؤى مبدعة لسبر الواقع وتحليل ظواهره وإشكالياته.
إن استفحال العنف المسلح وشيوع التطرف والتعصب الديني والمذهبي، وكذلك الارتكاس إلى الحواضن الاجتماعية البدائية كالعشيرة والطائفة والمذهب، إنها كلها ظواهر معيقة لأي تحول اجتماعي ديمقراطي، وهي بمجملها تعبير عن غياب حقيقي لمشروع أو مشاريع ثقافية تعمل على التأسيس لوعي اجتماعي يتقوّم على قيم الحرية والكرامة والتسامح وحقوق الإنسان.
ذلك أن مقاومة التطرف الديني والمذهبي والعنف المسلح والنزعات الطائفية وغياب قيم التآلف الاجتماعي لا يمكن علاجها بعنف مضاد أو بطائفية مضادة، أو بالمزيد من تشكيل الفصائل العسكرية ذات الأجندات المشبوهة، بل بالعمل الدؤوب والمنظم على استيعاب جميع الجهود الثقافية والسياسية بغية تأطيرها ببرنامج وطني واضح المعالم والأهداف يعمل من خلاله الجميع على صياغة عقد اجتماعي جديد يحظى بقبول السوريين ويلبي تطلعاتهم ويحقق مصالحهم، ليكون أفقاً يمكّننا من العبور إلى سورية الجديدة.

حسن النيفي
11 – 11 – 2014              

                              

                        أزمة المواطنة في سوريا


اتسمت مرحلة ما بعد الاستقلال بإعلاء الحس الوطني السوري فوق الروابط ما قبل القومية، إذ رفض السوريون آنذاك أن تكون الهويات والانتماءات المحلية قاعدة للاجتماع السياسي. وبمجيء انقلاب الثامن من آذار عام 1963 لم تُتح السلطات المتعاقبة الفرصة للسوريين للحديث عن هويات متعددة بوضوح وشفافية، حيث طغى خطاب قومي متعالٍ حاول ردم الأزمات أو دفْنها بدلاً من البحث في حلول لها. لقد عُرف المجتمع السوري بتنوعه من حيث الأعراق والديانات والمذاهب، ولم يكن هذا التنوع مصدر أزمة تنذر بالانفجار لو أُتيح له المناخ الديمقراطي الملائم لبلورة المفاهيم والقناعات وتحديد الحقوق والواجبات معاً، وكذلك كان من الممكن جداً أن يكون هذا التنوع مصدر قوة وثراء لسوريا والسوريين لو كان منتظماً في عقد اجتماعي يسهم السوريون جميعاً في صياغته وتحديد ملامحه ويحظى بقبول الجميع.
لا تتجسّد أزمة المواطنة في سوريا في غيابها عن وعي السوريين بل تتجسد في تغييبها، وفي محاولة إيجاد أشكال أخرى من الولاءات تلبي رغبة وحاجة السلطة الحاكمة أكثر مما تعبر عن نزوع وطني حقيقي لدى المواطنين. لقد فرض نظام البعث منذ مجيئه إلى السلطة فهماً قسرياً وفوقياَ لمفهوم المواطنة، ولعل هذا الإجراء القمعي لا تطال تداعياته مكوّناً محدّداً من مكوّنات الشعب السوري بقدر ما تطال المجتمع برمته، وهذا لا ينفي – بالطبع – أن بعض المكوّنات قد طالها الأذى أكثر من سواها – كما حال الإخوة الكرد – بسبب حرمان قسم كبير منهم من حق الجنسية بالإضافة إلى حقوقهم الثقافية والاجتماعية.
تجليات الأزمة
منذ عام 1970 يعتاش نظام الأسد على خطاب قومي تقليدي يخفي تحته كل سوءات الاستبداد والتسلط والفساد وحرمان السوريين من أدنى حقوقهم المشروعة، فتحت شعار (تحرير فلسطين ومقاومة الصهيونية وتحرير الجولان والعمل من أجل الوحدة العربية ) فقد تمّ فرض قانون الطوارئ واستمرار العمل بموجبه طيلة ما يقارب نصف قرن من الزمن، وكذلك تم تعطيل الدستور وتغييب الحريات وعدم السماح بتشكيل الأحزاب السياسية، وفي موازاة ذلك كان هناك تغوّل كبير لأجهزة الأمن وسعيها المستمر لمحاصرة المواطن والتضييق عليه ليس بمصادرة حقوقه السياسية فحسب، بل في أدنى حقوقه المعيشية أيضاً. وبات أي حديث أو تلميح إلى حقوق المواطن في الحرية والعيش الكريم يُعدّ مساساً بأمن الدولة وتهديداً لسلامتها، وكذلك بات أي حديث عن حقوق مكوّنات الشعب السوري الثقافية أو الاجتماعية يُعدّ ضرباً من الخيانة أو محاولة لتفتيت الدولة. كما بات يُنظر إلى أي نقد أو ملاحظة يبديها المواطن تجاه رجل السلطة تُعدّ على أنها مساس بهيبة الدولة قد يدفع المواطن حياته ثمناً لها، مما أدّى إلى اختزال القيم الوطنية في شخص الحاكم الذي يتمتع بالمنعة والعصمة من أي نقد أو ملاحظة. وكان من نتيجة ذلك أن قوّة الدولة وهيبتها أصبحت تتجسدّ بقوة رجال الأمن وخفر السلطة ، الأمر الذي يؤكد أن شرعية لقد جاءت الثورة السورية في ربيع عام 2011 لتزيل الركام عن عمق الإشكاليات والتناقضات المركونة والمسكوت عنها طيلة فترة طويلة من الزمن، ولعل فداحة الأمر- فيما أعتقد- إنما تتجسد في انفجار هذه الإشكاليات المجتمعية دون ضابط قيمي أو قانوني يمكّن من السيطرة عليها، وليست مظاهر التطرف والنزوع إلى العنف المسلح وكذلك الخطاب السافر عن الطائفية والمذهبية، أضف إلى ذلك التراجع الجماعي إلى المكوّنات والولاءات الفرعية البدائية كالعشيرة والطائفة والمذهب، إلا نتاجاً طبيعياً لسبات اجتماعي وسياسي طويل، بل لتخلف شديد ألجأ السوريين إليه نظام شمولي مستبد.
إلا أنه من جهة أخرى، لا يمكن تبرئة النخب السياسية والثقافية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من المسؤولية عما آلت إليه الحال، فعلى الرغم من انعدام الشروط الصحية للعمل السياسي في سوريا، وكذلك على الرغم من اغتيال السلطة للمناخ الاجتماعي الآمن الذي يتيح للأفراد الحصول على حقوقهم، فإنه من جانب آخر لا يُظهر الخطاب الثقافي والسياسي للمعارضة والنخب السورية رغبة جادة في محاصرة وتفكيك الإشكاليات الناجمة عن مرحلة الاستبداد، فحديث السوريين ونقدهم للطغيان والاستبداد لا يوازيه مشروع ثقافي واضح المعالم والأهداف والآليات لمكافحة الطغيان والاستبداد، وكذلك نقد الطائفية والمذهبية لم يتأطر ضمن مشروع سياسي أو ثقافي ممنهج يهدف إلى تشخيص الظواهرووضع آليات ووسائل لحلها.
وإني على يقين من أن الثورة السورية غنية بكشوفاتها المعرفية والثقافية أكثر بكثير من إرهاصاتها السياسية، ولكن المعضلة تكمن في عدم إدراك القيمة الحقيقية لفاعلية الثقافة ودورها في تشكيل وعي اجتماعي قادر على استيعاب وتخطي التناقضات الاجتماعية، وقادر في الوقت ذاته على إنتاج تصورات ورؤى مبدعة لسبر الواقع وتحليل ظواهره وإشكالياته.
إن استفحال العنف المسلح وشيوع التطرف والتعصب الديني والمذهبي، وكذلك الارتكاس إلى الحواضن الاجتماعية البدائية كالعشيرة والطائفة والمذهب، إنها كلها ظواهر معيقة لأي تحول اجتماعي ديمقراطي، وهي بمجملها تعبير عن غياب حقيقي لمشروع أو مشاريع ثقافية تعمل على التأسيس لوعي اجتماعي يتقوّم على قيم الحرية والكرامة والتسامح وحقوق الإنسان .
ذلك أن مقاومة التطرف الديني والمذهبي والعنف المسلح والنزعات الطائفية وغياب قيم التآلف الاجتماعي لا يمكن علاجها بعنف مضاد أو بطائفية مضادة، أو بالمزيد من تشكيل الفصائل العسكرية ذات الأجندات المشبوهة، بل بالعمل الدؤوب والمنظم على استيعاب جميع الجهود الثقافية والسياسية بغية تأطيرها ببرنامج وطني واضح المعالم والأهداف يعمل من خلاله الجميع على صياغة عقد اجتماعي جديد يحظى بقبول السوريين ويلبي تطلعاتهم ويحقق مصالحهم ، ليكون أفقاً يمكّننا من العبور إلى سورية الجديدة


حسن النيفي
14/11/2014

الخلافةالإسلامية تاريخ أم عقيدة      


تمثل الخلافة في الضمير الجمعي الإسلامي حقبة ذهبية امتد فيه سلطان الإسلام على العالم المتحضر لمدة تزيد على ستة قرون، وأصبحت الثقافة الإسلامية فيه هي الثقافة الكونية المهيمنة، واللغة العربية لُغَة العلوم والآداب العالمية.
وقد أحدث سقوط الخلافة عام 1923 هزة وجدانية عميقة في طول العالم الإسلامي وعَرضه، وندب كثير من الإسلاميين أنفسهم وحركاتهم لإعادة الخلافة، بل إن بعض الأحزاب الإسلامية مثل حزب التحرير ركز في كتبه على ظروف هدم الخلافة وكيفية إعادتها، بل حَرَّمَ أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة وأكثر من خليفة واحد.
وقد حفلت كتب السياسة الشرعية الإسلامية بتفصيلات كثيرة حول كيفية انعقاد الخلافة (بالأكثرية أو العهد أو القهر والاستيلاء) وبينت صفات الخليفة (مسلم، ذكر، بالغ، عاقل، عدل، قرشي، مجتهد، شجاع) ومصادر شرعيته وصلاحياته.
والسؤال الذي كان وما زال يطرح نفسه، ما هي العلاقة بين الخلافة ونظام الحكم في الإسلام، وهل الحكم الإسلامي شكل (خلافة، ملكية، جمهورية؟) أم مضمون؟ (شورى وعدل ورحمة).
 وقد لخص ابن قيم الجوزية فيما نقل عن ابن عقيل مفهوم السياسة في الإسلام فقال: (السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي، فإذا أردت بقولك: إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة).
والسؤال الآخر: هل الخلافة أمر اعتقادي أم أمر اجتهادي دنيوي؟
يقول ابن تيمية: الإمامةُ ليست من أركان الإسلام الخمسة، ولا من أركان الإيمان السِّتة، ولا من أركان الإحسان.
ويقول إمام الحرمين الجويني: إن الكلام في الإمامة ليس من أصول الاعتقاد. ويرفض ابن خلدون قول الشيعة الإمامية أن الإمامة من أركان الدين، ويقول: (أنها من المصالح العامة المفوّضة إلى نظر الخلق).
والحق أن الإسلام لم يجعل الدولة ولا أشكالها، أصلاً من أصوله الاعتقادية، ولا ركناً من أركانه، ولا شعيرة من شعائر عباداته الثابتة، وتلك قضية أجمع عليها علماء الإسلام إذا استثنينا الباطنية والشيعة الإمامية، ولم يحدد الإسلام شكلاً من أشكال الحكم، وإنما وضع مبادئ عامة يستلهمها المسلمون لبناء الشكل المناسب حسب ظروف الزمان والمكان، ورأس الدولة في الإسلام ليس منصباً دينياً معصوماً (ومثله أجهزة الدولة ومؤسساتها) وإنما هو بشر مجتهد يصيب ويخطئ، ويحتاج للتسديد والتقويم.
ومما تقدم نفهم أن الخلافة هي شكل تاريخي من أشكال الدولة الإسلامية، وليست أمراً عقدياً نقدسه، فقد اجتهد المسلمون في عصورهم الأولى، واستنبطوا شكلاً للحكم سموه الخلافة، ويمكن للمسلمين اليوم أن يَستنبطوا أشكالاً أخرى (رئاسية، برلمانية، ملكية، دستورية...) شرط أن تتمثل فيها قيمُ الإسلام وعدله ورحمته.
24/8/2014
  محمد حكمت وليد



            الأمة الوسط والشهود الحضاري 


شكَّل غزو نابليون بونابرت لمصر عام 1798 صدمةً حضاريةً للمسلمين، ليس على المستوى العسكري والتقني فقط، وإنما على مستوى العلوم والنظم والقوانين، ومنذ ذلك الحين أفاق العالم الإسلامي على عدة مشاريع نهضوية للخروج من حالة التخلف القائمة حين ذاك، ولكنّها بقيت أفكاراً فردية ومشاريع نظرية لم تتحول إلى قوة اجتماعية أو تيار عام، وتمَّت محاصرة هذه الأفكار والمشاريع بقوى داخليَّة وخارجيَّة، جعلتها مهددة باستمرار بالانطفاء والتراجع.
وفي العصور الحديثة علمتّنا التجربة الأوروبية درساً مهماً، وهو أن البداية الحقيقية للنهضة لم تكنّ في الأفكار التي طرحها مفكرو النهضة مثل (جون لوك) البريطاني و (جان جاك روسو) الفرنسي، وإنما كانت البداية حينما تحولت تلك الأفكار إلى قوة اجتماعيَّة مؤمنة بأفكارها ومستعدَّة لخوض الصراع لتحقيقها على أرض الواقع، أيّ انتقلت من عالم النظرية إلى عالم التطبيق.
وقبل ذلك علمتّنا السيرة النبويَّة درساً عظيماً، وهي أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلم لم يكنّ رسولاً فقط، وإنما كان رجل دولة، دعا الملوك، وخاض المعارك، وأبرم المعاهدات وحوَّل التعاليم الإسلاميَّة إلى واقع مشهود على الأرض، يُبهر الناظر إليه ويريه عظمةَ الإسلام وسُمُوَّ تعاليمه، وهذا ما حَدا بالكاتب الأمريكي (مايكل هارت) إلى اعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصية الأولى بين شخصيَّات مائة غيَّرت تاريخ العالم.
لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] {البقرة:143}.
أي لا يكفيكم أيها المؤمنون أن تكونوا أمة وسطاً، ولكن مهمتكم في هذا العالم أن تكونوا شهداء على الناس، وتتم شهادة الأمة الوسط على الناس بأن تشكل تلك الأُمة واقعاً مشهوداً يطبق التعاليم الإسلامية تطبيقاً صحيحاً يشهد أنه متفوق على الأنظمة الأخرى، وبذلك يستطيع المسلمون أن يقولوا يا رب إنا قد بلغنا رسالتك، وأرينا الناس كيف يطبق هذا الدين في واقع الحياة، أريناهم أن هذه الأمة الوسط لا تغلو في التجرد الروحي فتترك عمارة الدنيا، ولا في الارتكاس المادي فتقع في التوحش الحضاري، ولا تدع الحياة للضمائر فقط، لأن النفسَ الأمارة تغوي البّرَّ والفاجر، ولا تدعها كذلك لقوانين العقوبات التي يتم خرقها عند أول استطاعة، الأمة الوسط التي تدعو ـ كما قال عالمنا الجليل عصام البشير ـ ( إلى العلم المرتبط بالإيمان، والايمان المقترن بالعمل، والجسد الممدد بالروح والقوة المقترنة بالحق والتشريع المحقق للمصلحة، والخير المتوشح بالجمال والفن الملتزم بالقيم، الأمة الوسط ذات المنهج الذي يحافظ على كل قديم نافع، ويرحب بكل جديد صالح، ويتقبل الحكمة من أي وعاء خرجت
الأمة الوسط التي تعمل على تعزيز المشترك الإنساني والحضاري، وتعدل رغم شنآن الشانئين.)
وقد يقول قائل أين هي تلك الأمة الوسط العادلة التي تتكلمون عنها؟ ونجيبهم بحماستنا المعهودة: لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعدل الناس، فقد ضرب ابن الأكرمين عندما اعتدى على القبطي، وحمل على ظهره كيس الطحين في ظلمة الليل للمرأة الفقيرة، كما أن عمر بن العزيز كفى الناس، ولم يجد بينهم من يأخذ أموال الزكاة، وفي غمرة حماستنا هذه ننسى أن هذين الخليفتين الراشِدَيْن حققا وجودهما في عالم الشهود، وقاما بتلك الأعمال المبهرة لا لكي نفاخر بهما الخلق دون حياء من عجزنا وتقصيرنا، ولكن لكي نتخذهما مثلاً في إقامة العدل في الأرض، ونطبق منهج الأمة الوسط ، وننتقل به من عالم الوجود إلى عالم الشهود
 محمد حكمت الوليد


نحو إسلام سياسي لانمطي مغاير
مشروع حزب وعد( الحزب الوطني للعدالة والدستور) السوري



لم تحظَ حركة سياسية بحشد ضدها أو معها كما حظيت به حركات الإسلام السياسي على امتداد مئة عام وعلى اتساع رقعة الإسلام ذاته، بل لم تعرف حركة تشعباً وحراكاً داخلياً كما عرفته حركات الإسلام السياسي والتي تماوجت بفكرها ومناهجها ما بين نهج دعوي إصلاحي خالص إلى نزوع استئصالي لكل ما تراه متصادماً مع الشريعة.
وعدا تجارب قليلة ومحدودة، فإن الإسلام السياسي لم يحظَ بفرصة طيبة تتاح له فيها فسحة من الزمن يراكم تجربة سياسية من تنقل سلس ما بين السلطة والمعارضة، مما كان سيتيح له حقل عمل غني يثري فيه رؤيته السياسية ويقربه أكثر من مفاهيم سياسية معاصرة رغم أنه من الإنصاف القول إن مقاربة كهذه كانت قد حدثت وإن متفاوتة.
  
الإخوان ما بين الدعوية والسياسة، تطور المنهج الإخواني ودوافع تكون حزب سياسي:
ليس خافيا أن الإخوان المسلمين في سورية كانوا قد تبوؤوا مقدمة الصف في المشاركة بالحياة السياسية منذ تأسيسهم سواء بمشاركتهم في حكومات ما بعد الاستقلال أو مرورا بحملهم السلاح وصدامهم مع السلطة إلى تقديمهم لمشروعهم السياسي لسوريا المستقبل عام 2004 والذي كانوا قد طوروا فيه رؤية متقدمة جداً برزت فيها ملامح لعقد اجتماعي وصيغة عمل سياسي تشاركي.
وفي تلك الحاضنة الفكرية الجديدة بدأ الإخوان يتلمسون ضرورة حزب سياسي صرف، له صيغة وطنية أكثر اتساعا من جماعة دينية، وهنا بدأ أيضا ظهور نزوع عند كثير من قيادييهم للعودة بالجماعة إلى منابعها التأسيسية الأولى كجماعة دعوية دينية تنحو لإصلاح المجتمع عبر عمل مدني تربوي، بعيداً عن متاهات العمل السياسي وإرهاصاته.
ويمكن القول إن تغيرات بنيوية لبعض جماعات التنظيم العالمي للإخوان في دول أخرى كانت قد شجعت توجهات كهذه عند جماعة الإخوان السوريين.
لقد تقدمت جماعة إخوان سورية بشكل ملحوظ في برامجها السياسية عن مثيلاتها من جماعات أخرى في الأقطار العربية وهي تقترب بهذا أكثر من النموذج التركي، ولذا فإن هذا التمازج ما بين الإخوان وما بين معارضين سياسيين من طيف بعيد عنهم والذي أدى الى ولادة الحزب (الحزب الوطني للعدالة والدستور) هو ترجمة مباشرة لتلك النقلة النوعية التي حققها إخوان سورية على المستوى النظري والفكري.

إذن هناك متغيران أولهما الرغبة في مشاركة سياسية داخل حزب سياسي احترافي بعيداً عن الجماعة والثاني العودة للعمل الدعوي الصرف عند العازفين عن العمل السياسي، ومن هنا تجلت ضرورة عزل الحزب الوليد عن الجماعة والعمل على استقلاليته، بل ترسيخ تلك الاستقلالية باستقالة رئيس الحزب من منصبه في جماعة الإخوان كنائب للمراقب العام، وقد سبقته بنية تنظيمية غنية التنوع في مؤتمر الحزب التأسيسي قبل أشهر من ذلك. تلك البنية التي تراوحت مشارب وعقائد أعضائها ما بين إسلامي أكثر تشددا من الإخوان إلى إسلاميين ليبراليين، اضافة إلى عدد لا بأس به من اصحاب جذور يسارية، ناهيك عن أخرين من غير المسلمين (مسيحيين كمثال وليس كحصر) إضافة إلى حضور كردي وأشوري وسرياني ليشكل حالة من الإثراء الوطني.

ولكن هذا لن يمنع من أن يتبادر للأذهان سؤال وهو، ألا تستطيع الجماعة توجيه الحزب من خلال اعضائها الاخوانيين في الحزب. منطق الحال الظاهر يقول بإمكانية ذلك، ولكن وجود تيارات اخرى سيجعل من ادارة سياسة الحزب ناتج لمحصلة قوى. إن حزبا سياسيا مؤسسا على تمازج عديد من التيارات الفكرية هو ايضا مكان للتنافس والتجاذب السياسي مما يصنع بيئة مولدة للمشاريع النظرية والفكرية بما يخص مشروع الدولة المدنية من جهة، ومن جهة اخرى تجربة محدثة لمأسسة العمل الحزبي والسياسي.

تطور شريحة فكرية من اليسار وتقدمها نحو الوسط لتلتقي اخوانا ماثلوها الخطوات:
رحلة طويلة وشاقة خاضها اليسار السوري المعارض إلى جانب أندادهم الإسلاميين في حربهم وكفاحهم ضد نظام الطغيان الأسدي الذي طال الجميع بطشاً وتغييباً، مع الاعتراف أن أقصى ممارسات دموية استئصالية كانت قد طالت جماعة الإخوان بل حتى بيئتهم وحاضنتهم الاجتماعية.
وفي الوقت الذي حرم فيه إخوان سورية حتى من العمل السري تحت الأرض، بقي اليساريون والقوميون المعارضون وبعض من إسلاميين أخرين والذين لم يشملهم قانون استئصالي مثيل لما أصاب الإخوان، يواجهون السلطة بعمل أشبه بالعمل الفدائي ولكن بغياب الشكل المؤسسي عنه، إلى أن أتت انتفاضة الشعب السوري لترسم ملامح جديدة للعمل السياسي المعارض.
لقد وجد معارضو النظام أنفسهم أمام طرق وتشعبات كثيرة في مناصرتهم للثورة من جهة، وفي صياغة أهدافها وماًلها الأخير من جهة أخرى، وكان للتحديات التي افرزتها الثورة تأثير مباشر على اختيار إحدى تلك الطرق.
فكانت لحظة لقاء صنعته الثورة ما بين توجهين مختلفين قد يبدوان متناقضين، الأول إخواني يمتلك رغبة سابقة في انشاء حزب سياسي واسع الطيف بل يشمل اغلب الطيف الوطني، والثاني توجه مثيل عند بعض اليسار وبعض الاسلاميين الليبراليين لملاقاة فصيل إسلامي أخر مقابل.
جل المؤسسين لهذا الحزب إن لم نقل كلهم، ناشطون في قطاع الثورة وكثيرون منهم في منظماتها سواء على الارض داخل سوريا أم في الخارج، لذا لم يأت هذا الحزب الجديد ليلبي نقصاً ما في نطاق العمل المعارض ولا ليسد فجوة، فالمشروع هنا أكثر منه مشروعاً نظرياً، ويرتقي لأن يكون مشروع تحدٍ لبناء نقيض الاستبداد ونقيض التطرف الديني، بل أكثر ليكون مشروعاً لإعادة بناء نظرية الدولة مستعيناً بأدوات الحداثة ومتصالحا مع الأصالة.

الثورة السورية وما افرزته من ضرورات العمل السياسي الجانح نحو تأسيس نظري للدولة المدنية رداً على مقولات دولة الاستبداد بشكليها الديني والعسكري:
لقد أسست الثورة لمفهوم جديد لم يغب عنه ذاك الطابع الإيماني الذي رسم خطوط الثورة منذ نهارها الأول والذي أيضا أسس فيما بعد لتأصل ديني في مسارها، أصبح يطرح تحديات جمة تتعلق بشكل الدولة القادمة واستحقاقاتها.
إذن فإن صراعاً طويلاً مع الاستبداد وصراعاً أشد مع مصالح الدول الكبرى أعطى دلالات قوية على أن نهضة ما لن تتحقق إلا من خلال عملية مصالحة ما بين التراث والتجديد، الهدف منها إقامة دولة مدنية بمفهومها العصري حاملة لمنظومة الحقوق والمواطنة بعقدها الاجتماعي والسياسي كمبدأ التداول على السلطة عبر أليات العمل الديموقراطية، ومن ثم القبول بها على انها تطور طبيعي للأمم مقتبس من تجارب الانسانية كلها، وهنا عندما نتكلم على اقتباس التجارب فإننا ننحو للاقتباس من تاريخنا أولا.
فولادة هذا الحزب أتت كتطور تاريخي طبيعي لمشاركة في تأسيس فكرة الخلاص وذلك بالتوجه نحو دولة تنسجم مع واقع وتاريخ وأصالة، إنه التصالح ما بين الحداثة والأصالة.
إذن نحن بصدد إسلام سياسي مغاير وغير نمطي يقوم على تصور حداثي لنشوء الدولة، يمتلك أدوات عمل عصرية مثل جملة الحقوق التي يقر بها العالم بأجمعه، ويمتلك ايضا أليات الوصول السلمي للسلطة والقبول بمبدأ التداول والتنافس السياسي مع الغير بالوسائل السلمية.
كما أنه يقوم بتوظيف منارات مضيئة من التاريخ الإسلامي تقود كلها لترسيخ مفهوم الدولة المدنية.
إن حزب وعد هو مشروع بناء نظري لدولة مدنية وبالتالي فإن هذا المشروع هو المنافس الحقيقي لمشاريع إسلامية اخرى تتبنى أشكالاً متطرفة وأكثر ماضوية.
 ومن ناحية اخرى فإن مشروعاً غير إسلامي لن يكون النقيض الكفؤ لمشاريع تقودها تيارات إسلامية متطرفة، بل إن مشروع إسلام سياسي معتدل أقرب من حيث الشكل الى أحزاب المحافظين في الغرب (ثقافياً)، سيشكل البديل الملائم والمقبول عند غالبية شعبنا.
إذن مشروع حزبنا وعد هو ليس فقط مشروعاً نقيضاً للاستبداد السياسي عبر الدولة المدنية المقترحة وحسب، بل هو أداة لتخفيف التطرف ومن ثم تفكيكه عبر خلق مناخ صحي متناسقاً مع اعتقادات الناس ومتلائماً مع احتياجات دولة العصر.
نبيل قسيس
نائب رئيس الحزب
رئيس المكتب السياسي
15/06/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق