Translate

وجهة نظر

منبج بين كابوس الحصار ومخاوف التحرير


في سياق الحملة التي يقوم بها ناشطون وناشطات من مدينة منبج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تهدف إلى التحذير من كارثة إنسانية يُخشى من وقـــــوعها حيال الاقتتال الدائر بين حزب «الاتحاد الديمقراطي» وتنظيم «داعش».

وكذلك تهدف إلى تنبيه المجتمع الدولي ليتحمل كافة مسؤولياته حيال ما يقارب خمسمئة ألف مواطن مدني، يمكن أن يتحوّلوا إلى دروع بشرية لدى تنظيم «داعش»، أقول: في موازاة ذلك ترتفع أصوات عديدة من الطرف الآخر، المؤيد لحزب «الاتحاد الديمقراطي» وتحاول أن تفسّر حملة الناشطين على أنها تأييد لـ«داعش»، ثم تمضي هذه الأصوات باتهام الناشطين بالتباكي والتهويل والمبالغة المغرضة، كأنها تريد القول: لماذا كل هذا التباكي والتخوّف من قدوم قوات سوريا الديمقراطية التي تريد تحريركم؟ وهل أنتم الآن تعيشون في فردوس وتخشون فقدانه؟ ألم يمارس عليكم تنظيم «داعش» أبشع الأساليب وأقذرها؟ وتوضيحاً لهذه المناكفات وسواها، ينبغي التأكيد على ما يلي:

أولاً: إن قرار الحرب على تنظيم «داعش» وطرده من منبج وعموم الريف الشرقي لمدينة حلب لم يكن قراراً سورياً ولا قراراً من حزب الاتحاد الديمقراطي، بل هو قرار أمريكي يهدف إلى بسط النفوذ الأمريكي على الشمال السوري، في سياق تقاسم النفوذ الروسي الأمريكي في سوريا.

ثانياً: لقد آثر الأمريكان عدم التنسيق مع الجيش الحر في حربهم على «داعش» لأن الأخير أصرّ على محاربة نظام الأسد و»داعش» معاً باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، وهي الإرهاب. أمّا حزب «الاتحاد الديمقراطي» فله مشروعه الخاص به، ولعلّه لا يرى في إسقاط نظام الأسد إحدى أولوياته، وهذا ما ينسجم مع التوجه الأمريكي بالإبقاء على نظام الأسد وعدم السماح بإسقاطه في المرحلة الراهنة.

ثالثاً: إن فصائل الجيش الحر من أبناء مدينة منبج بدأت بقتال تنظيم «داعش» قبل أن تتشكل «قوات سوريا الديمقراطية»، وقد استطاعت هذه الفصائل بقواها الذاتية وبدون الغطاء الجوي الأمريكي في ديسمبر 2014 طرد «داعش» من المدينة بشكل كامل، ثم عاود التنظيم المذكور وحاصر المدينة ثمّ احتلها كاملة نتيجة تخلّي كل الجهات الإقليمية والدولية عن دعم الجيش الحر المرابط في منبج، أعني بذلك أن محاربة الإرهاب بكل أصنافه هو أحد خيارات الجيش الحر إدراكاً منه بفداحة الخطورة التي تلحقها التنظيمات الإرهابية بالثورة السورية. ومنذ احتلال «داعش» لمدينة منبج وحتى هذه اللحظة مازالت فصائل الجيش الحر المنبجية تخوض معارك حامية مع التنظيم المذكور وقدّمت جرّاء ذلك المئات من الشهداء خلال المعارك الدائرة في ريف حلب الشمالي.

رابعاً: إن معظم التحفظات التي يبديها الناشطون من «قوات سوريا الديمقراطية» لها ما يبررها ولم تأت من النوايا المسبقة أو التكهنات المفترضة فحسب، إذ لا أحد يستطيع تجاهل أو إنكار آلاف المدنيين المهجرين من أبناء تل رفعت وبقية بلدات وقرى الريف الشمالي، الذين اجتاحتهم «قوات سوريا الديمقراطية» تحت غطاء جوي روسي، وما يزالون حتى هذه اللحظة يسكنون الخيام في محاذاة معبر باب السلامة الحدودي، وكذلك لا أحد يستطيع تجاهل استهداف «قوات حماية الشعب» المتمركزة في حي الشيخ مقصود في حلب لطريق الكاستيلو بهدف قطع الشريان الوحيد والأساسي لمدينة حلب تجاه العالم الخارجي.

بالتأكيد ليس المقصود من هذه الإيضاحات تأجيج التناحر أو الصراع بين طرف وآخر، أو إغلاق قنوات التفاهم وجسور التواصل بين قوى الثورة السورية المتمثلة بالجيش الحر والحراك المدني من جهة، و»قوات حماية الشعب» من جهة أخرى، وإنما أردتُ التأكيد على ضرورة تفهّم كل طرف لحاجيات ومخاوف الطرف الآخر من جهة، وكذلك للتأكيد على أنّ حيازة القوّة في ظرفٍ معيّن لا تعني حيازة الحق، وإيماناً بذلك فإني أعتقد بضرورة تفعيل واستثمار كل الفرص المتاحة للحيلولة دون وقوع ما لا تُحمد عقباه، بل من الواجب الإنساني والأخلاقي والوطني أن يفكّر الجميع في السبل التي تحقن الدماء وتصون الأعراض وتحافظ على الحقوق، قبل التفكير في إقصاء الآخر وسحقه واعتماد مقولة (من يحررْ يقررْ).

ولمزيد من التوضيح يمكن إطلاق التساؤلات التالية:
1 – ألا يمكن للجانب الأمريكي باعتباره هو صاحب قرار الحرب أن يحرص على وجود فصائل عسكرية للجيش الحر أثناء دخول المدينة، استبعاداً لكل المخاوف التي تنتاب أصحاب الأرض؟ وأعني فصائل عسكرية أساسية معروفة من أبناء المدينة وليست شخصيات انضمت إلى «قوات سوريا الديمقراطية».


2- أليس بوسع الأمريكان تشكيل إدارة مدنية من أبناء البلد والاستفادة من تجربة المجلس المحلي في المدينة بدلاً من تشكيل مجلس لا ينطوي سوى على تطعيمات محلية ليس لديها أي خبرات سابقة؟ ألا يتوجب على حزب «الاتحاد الديمقراطي» أن يتجاوز ثنائية (أمّا أنا أو داعش)؟ أليس من المنطقي إدراكه أن الثورة الســـورية العظيمة انطلقت لإسقاط نظام الظلم والاستبداد وقدّم الشعب السوري مليوني شهيد وأضعافهم من الجرحى والمشردين والمفقودين، ومازال هذا الشــــعب العظيم يقاوم بكل بسالة كافة القوى المتحالفة مع نظام الأسد إقليمياً ودولياً، وأن أي تحالف مهما كان شكله مع نظام الإجرام الأسدي هو عدوان سافر على ثورة السوريين؟ وأخيراً أليس جديراً بـ«قوات سوريا الديمقراطية» أن تسعى إلى حيازة شرعيتها من خلال التماهي مع تطلعات السوريين وسعيهم لبناء دولة العدل والقانون والمواطنة، بدلاً من الاعتماد على موازين القوى الآنية التي لا تخدم سوى مصالح الدول المتصارعة على الأرض السورية؟ أتمنى أن تؤخذ هذه التساؤلات بحسن نية، علّها لا تكون النداء الأخير قبل وقوع ما لا نرجوه.



حسن النيفي

12/07/2016




----------------------------------------



معركة منبج عقابٌ أم تحرير؟


منذ أواخر شهر أيار 2016 يقوم حزب (الاتحاد الديمقراطي pyd ممثّلاً بجناحه العسكري - قوات حماية الشعب -) ومدعوماً بغطاء جوي أمريكي كثيف بمحاصرة مدينة منبج الواقعة بريف حلب الشرقي، وذلك تحت ذريعة محاربة تنظيم (داعش). وفي سياق هذا الهدف أسهم الأمريكان في توفير كامل الشرعية لحزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره قوةً سياسية وعسكرية موجودة على الأرض السورية تسعى -بالتنسيق مع المجتمع الدولي - إلى محاربة الإرهاب واستئصاله من سورية.

إلّا أن طبيعة الحصار الذي يتم إحكامه على منبج وكذلك شكل إدارة المعركة توحيان بطريقة بالغة الوضوح أن قوات سورية الديمقراطية وبمؤازرة التحالف لا تهدف إلى طرد تنظيم داعش فحسب، بل تسعى لإبادة المدينة وكأن سكان مدينة منبج جميعاً متهمون بالانتماء إلى داعش، الأمر الذي يثير أكثر من سؤال عن غياب أو تغييب دور كل فصائل الجيش الحر عن معركة منبج، وكذلك دور المدينة في مجابهتها لتنظيم داعش وما بذلته من تضحيات على مدى سنتين ونصف. علماً أن الحرب على تنظيم داعش بدأ بها الجيش الحر قبل أن تتشكل (قوات سورية الديمقراطية)، إضافة إلى أن مدينة منبج ذات أغلبية عربية، وطبيعة حراكها الثوري والسياسي يجسّد حاضنة جيدة للجيش الحر وليس لأي فصيل عسكري قومي أو إسلامي آخر.

من الواجب القول: إن مدينة منبج قد تحررت من سلطة النظام الأسدي بتاريخ 17 - 7 - 2012، وقد استطاعت من خلال التنسيق بين مجلسها المحلي وبين فصائل الجيش الحر من أبنائها أن تحافظ على قوامها المدني وكذلك على كل المؤسسات الخدمية التي تقدم خدمات للمواطنين، فضلاً عن أنها هي المدينة الوحيدة في الشمال السوري التي لم تشهد عمليات تخريب وسرقة ونهب، الأمر الذي جعلها نموذجاً لوعي المواطن السوري في القدرة على الارتقاء بحس المسؤولية والإدارة والتنظيم.

كما لم تشهد المدينة بعد تحريرها أي شكل من أشكال النزاع العرقي، علماً أن منبج تجسّد طيفاً جميلاً من التنوّع القومي (عربي - كردي- تركماني - شركسي). ولعل إرادة التعايش بين سكان المدينة وتجذر مفاهيم الحياة المدنية وغياب التطرف جعل من المدينة المكان الأمثل لمعظم البعثات الصحفية العربية والأجنبية بعد التحرير، والتي بدأت تتوافد عليها لتنقل عن كثب الوجه الحقيقي للثورة السورية قبل أن يتم اختراقها.

في أوائل آذار من عام 2013 بدأ تنظيم داعش بالتسلل إلى المدينة، وذلك من خلال مجموعات صغيرة تحاول أن تظهر بمظهر المسالم الذي يبدي رغبة كبيرة بالتقرب إلى السكان، كما حاولت إقناع المواطنين بأنها لا تهدف سوى الدعوة إلى الله وبيان العقيدة السليمة وأنها لا مطمع لها بسلطة ولا مال، وقد حاولت هذه المجموعات في بداية مجيئها عدم الاصطدام بأي تشكيل للجيش الحر، زاعمةً أنها لن تتدخل بالشأن المدني والإداري أو الخدمي للمدينة، ولكنها في الوقت ذاته وبطريقة شبه سرية كانت تقوم باستقطاب الشباب حديثي السن وتقوم بتنظيمهم تحت مسميات مختلفة (حركة الشباب المسلم - اتحاد طلبة سورية الأحرار) كما وفّرت لهم بعض أشكال الدعم في مسعى يهدف إلى تأليبهم على الجيش الحر والمجلس المحلي مستغلّة بعض الأخطاء هنا وهناك، إلى درجة أصبح فيها بعض هؤلاء الشباب يحملون الرايات السود ويخرجون في مظاهرات صغيرة مردّدين شعارات تندد بالحراك المدني الديمقراطي وتمجّد ب(الدولة الإسلامية في العراق والشام) وهذا هو اسم داعش آنذاك.

في مطلع أيلول من العام 2013 ازداد عدد المجموعات الإسلامية في منبج، كما ازداد عتادها وسلاحها، وتحول خطابها من طور الداعية المسالم إلى طور المهاجم الذي يريد الانقضاض على السلطة، فبدأت بوضع يدها على بعض المرافق الاقتصادية في المدينة (المطاحن - مؤسسة الأعلاف) وكذلك قامت باحتلال القصر البلدي والمركز الثقافي الذي يُعدّ من أهم الصروح الحضارية في منبج.

وبات واضحاً ان هذه المجموعات الصغيرة التي سرعان ما تكتلت وباتت قوة تسعى إلى ابتلاع كل ما سواها من قوى مغايرة لها، فأصبح لها مقرات وسجون ومحاكم، كما أخذت تعتقل العديد من شباب الحراك الثوري الذين لم يستجيبوا لنهجها، فضلاً عن تحرّشاتها الدائمة بفصائل الجيش الحر التي كانت منهمكة بمواجهة قوات الأسد على جبهات حلب والقصير ومطار كويرس.

لم تكن لدى الجيش الحر أي رغبة بالدخول في حرب مع تنظيم الدولة في بداية الأمر وذلك لأسباب عدّة لعلّ أهمها:

أولاً: الاعتقاد السائد لدى الجميع أن المواجهة الحقيقية هي مع نظام الأسد، وإن الدخول في أي مواجهة أخرى ستؤدي إلى تقوية النظام، فضلاً عن عدم الرغبة في إيجاد أعداء جدد للثورة.

ثانياً: ثمة تردّد واضح لدى العديد من فصائل الجيش الحر في مواجهة تنظيم داعش، بسبب النزعة الإسلامية لبعض الفصائل، وعدم حيازة هذه الفصائل على الوعي الدقيق الذي يميّز الإيمان والتديّن الحقيقي من الإسلام السياسي الذي يستمدّ السلطة من الدين للهيمنة والتسلّط، إضافة إلى أن الفصائل ذات التوجه الإسلامي الصريح مثل (حركة أحرار الشام الإسلامية) رفضت رفضاً مطلقاً قتال داعش في مدينة منبج، وآثرت الانكفاء دون الدخول إلى جانب طرف من الأطراف.

ثالثاً: كان ثمة تخوّف من ظهور فتنة على المستوى الاجتماعي بين سكان المدينة من وراء هذه المواجهة، نظراً لانخراط عدد من أبناء المدينة في صفوف داعش.

ولكن جميع هذه التحفظات في قتال تنظيم داعش قد زالت تماماً أمام إصرار هذا الأخير على ابتلاع كل قوى الثورة واستئصال مظاهرها، الأمر الذي دعا فصائل الجيش الحر في منبج إلى اتخاذ قرار حاسم باستئصال هذا التنظيم الإرهابي باعتباره عدواً للثورة لا يقل عداوةً عن نظام الأسد.

وفي الساعة الثانية فجراً من يوم 6 - 1 - 2014 بدأ الهجوم على تنظيم داعش مما أدّى إلى طرده من المدينة وأسر عدد من أمرائه وأنصاره، وباتت منبج خالية من داعش لمدّة (18) يوماً فقط، إذ عاود التنظيم حصاره لمنبج من ثلاثة أطراف، وبعد حصار دام أكثر من أسبوع وعدم قيام أي جهة أخرى بمؤازرة الثوار في منبج، إضافة إلى قيام التنظيم بقصف المدينة بمدافع الهاون التي تسقط قذائفها على رؤوس المدنيين، تمكّن داعش بتاريخ 23 - 1 - 2016 من احتلال المدينة من جديد وبات نهجه أكثر وضوحاً في التنكيل والانتقام من كافة الناشطين المدنيين والعسكريين معاً، بل بات نزوعه نحو استئصال أي ممارسة ثورية مناهضة لنظام الأسد وداعش واضحاً جداً.

إلّا أن خروج الجيش الحر من المدينة لم ينه المعركة، إذ إن معظم فصائل الجيش الحر انتقلت إلى الريف الشمالي من حلب وكذلك حول مدينة اعزاز، حيث الجبهات مشتعلة في مواجهة دائمة مع تنظيم داعش منذ بداية العام 2014 وحتى هذه الساعة، وعلى مدى سنتين ونصف من المواجهات قدّم أبناء منبج أكثر من مئتي شهيد في مواجهة داعش، فضلاً عن أضعافهم من الجرحى والمصابين.

لم يتجسد رفض مدينة منبج لسلطة داعش عسكرياً فحسب، بل على المستوى المدني أيضاً، إذ إن منبج هي أول مدينة سورية تنفّذ إضراباً سلميا مدنياً احتجاجاً على ممارسات داعش وذلك بتاريخ 18 - 5 – 2014، إذ راح ضحية هذا الإضراب العشرات من الشهداء والمعتقلين الذين نكّل بهم تنظيم داعش.

وبالعودة إلى المعركة التي تدور اليوم في مدينة منبج وريفها نجد أن ثمة رغبة أمريكية بحصار المدينة من جوانبها الأربعة وعدم ترك أي منفذ للخصم كي يهرب، مما يجبر هذا الأخير إلى الاستماتة بالدفاع من خلال قتال الشوارع والعمليات الانتحارية والمفخخات، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية تطال حياة أكثر من (250000) نسمة من المدنيين في المدينة، إضافة إلى ذلك - وهو الأمر الأهم - هو تجاهل بسالة مدينة منبج  ضد تنظيم داعش والأسد معاً على مدى سنتين ونصف، وكذلك تجاهل ما قدّمه أبناؤها على الصعيدين المدني والعسكري معاً من تضحيات ودماء وتشرّد ونزوح.


هل كان هذا التجاهل الأمريكي بسبب حيازة الطرف الآخر (قوات سورية الديمقراطية) للكفاءة القتالية والتنظيمية؟ الجواب: ليس ذلك فحسب، إنما الحق أن فصائل الجيش الحر مازالت تحمل مشروع التغيير الذي من أولوياته محاربة نظام الأسد وإسقاطه، باعتباره أصلاً للإرهاب، وما تنظيم داعش سوى أحد تجلياته الإرهابية. ولذلك نجد أنه لم يتم تحييد الجيش الحر من المعركة فحسب، بل معاقبة مدينة منبج برمتها من خلال هذا الحصار المروّع وكأن المدينة بكافة سكانها هي (داعش)، ولعلي لا أستبعد مستقبلاً (دعشنة) كل السوريين المقاومين لنظام الأسد وفقاً لرؤية اللاعبين الدوليين (الروس والأمريكان).






حسن النيفي

12/07/2016




----------------------------------------



ما الجديد في التنسيق الأمريكي الإيراني؟


أثارت التصريحات الأمريكية الأخيرة على أثر قيام الطائرات الإيرانية بقصف مواقع قيل أنها ل (داعش) في محافظة (ديالى) العراقية الكثير من الجدل في الأوساط السياسية إقليمياً ودولياً
ولعل بواعث هذا الجدل ومجمل التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في تعاطيهما مع قضايا المنطقة إنما يعود لأمرين:
أولاً: الرفض الأمريكي المعلن لأي شراكة سياسية أو عسكرية مع إيران حول موضوع مواجهة الإرهاب في العراق وسوريا، وكذلك عدم قبول أمريكا (ظاهريا) بالربط بين الملف السوري والمشروع النووي الإيراني.
ثانياً: التناقضات القائمة داخل الموقف الأمريكي ذاته، ففي حين أكد البيت الأبيض عدم وجود أي شكل من أشكال التنسيق العسكري مع إيران في مواجهة داعش، وذلك إثر قيام سلاح الجو الإيراني بتنفيذ ضربات على مواقع تابعة للتنظيم، فإن وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) سرعان ما أبدى ترحيبه بهذه الضربات.
وواقع الحال، ما يراه الكثيرون من غموض أو ارتباك في طبيعة العلاقة بين إيران وأمريكا هو نوع من الاستراتيجية المرسومة والمعتمدة لدى الطرفين، وقد بدأت تظهر ملامحها منذ العام 2003 ، مع بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، وقبل ذلك احتلال أمريكا لأفغانستان، إذ لم تخف إيران ذلك في حينه عندما أشار علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران إلى عدم قدرة أمريكا على احتلال العراق وأفغانستان لولا مساعدة إيران، وبالطبع قد تم ذلك لقاء سماح أمريكا بإطلاق يد إيران في العراق، ولعل الجميع بات يدرك أن شؤون العراق منذ الاحتلال وحتى الآن تُدار من طهران التي هي مركز القرار. ويمكن الذهاب أيضا إلى أن التدخل الإيراني في الشأن السوري ودعم نظام الأسد بكافة الأشكال والوسائل هو نوع من التنسيق المسكوت عنه أو غير المعلن بين إيران وأمريكا وذلك بعد التزام إيران بعدم تحريك ذراعها في لبنان (حزب الله) وبذلك لم يعد يؤرق إسرائيل أمنياً.
لقد باتت الولايات المتحدة تدرك أن نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط أصبح أمراً واقعاً، ذلك أن إيران لا تخفي رغبتها في الهيمنة والتوسع وربما إرضاخ المنطقة بمجملها تحت هيمنتها، فهي تتواجد بقوة في كل من (اليمن – سوريا – لبنان- العراق) كما تدرك الولايات المتحدة أن مقاومتها للتمدّد الإيراني في موازاة مواجهتها لما تسمّيه (التطرف السني) يبدو أمرا في غاية التعقيد، وهذا – ربما – يدعوها لاتباع استراتيجية جديدة حيال إيران، تفضل إدارة أوباما الحالية ألا تكون معلنة، بل يمكن تسميتها باستراتيجية (غضّ الطرف) وذلك حرصاً من الولايات المتحدة على عدم إثارة حساسية حلفائها الدوليين في مواجهة داعش، وكذلك حلفائها الإقليميين وخاصة دول الخليج.

حسن النيفي
المكتب السياسي
02/12/2014



مبادرة دي ميستورا
التصورات والوقائع

لعلّ الإلحاح على تأويل مالا يُؤوَّل يؤدي بالمرء أحياناً إلى استنتاجات لا قرائن مادية لها في الواقع المحسوس، وأعني بذلك ما قيل ويقال في المبادرة التي حملها السيد ستيفان دي مستورا مكلّفاً من الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.
جدير بالذكر أن ميستورا نفسه لم يكشف النقاب عن فحوى هذه المبادرة سوى انه ذكر بأن مبادرته تهدف إلى وقف القتال في مدينة حلب، كما أشار إلى أنه التقى برأس النظام في دمشق وأن بشار الأسد أولى أهمية لما حمله ميستورا ووعد بدراسة هذه المبادرة، في حين أن ممثلين عن القوى العسكرية الموجودة على الأرض في مدينة حلب قرنوا موافقتهم على المبادرة بعدة شروط على رأسها رحيل الأسد من السلطة، وربما صدرت عن ميستورا تصريحات هنا وهناك ولكن أيّاً منها لا يكشف عن جوهر هذه المبادرة من حيث الوسائل والآليات والأهداف.
وإن كان ثمة ما يبنى عليه من تحليلات في هذا الأمر فإنني أرى أنه ينبغي الوقوف عند ما هو واضح وجلي قبل المضي نحو ما هو مضمر ومؤوَّل، لقد كان ميستورا صريحاً للغاية عندما حدّد الأسباب التي دفعته إلى المنطقة، إذ حدّدها بسببين:
1 – ما يجري في سوريا هو حرب أهلية، وصلت إلى درجة عالية من العنف، وربما بمقدور هذه المبادرة أن تعمل على وقف القتال في بعض الأماكن والبلدات، ولتكن مدينة حلب أولا.
2 – إن وجود تنظيم داعش في مساحات واسعة من سوريا من شأنه أن يشكل خطراً مشتركاً على النظام وعلى المعارضة معاً، ومن شأن هذا الخطر المشترك أيضاً أن يسهم في تقريب وجهات النظر أو أن يخلق مناخاً ملائماً للتفاوض بين النظام والمعارضة.
ولعلّ انطلاق دي ميستورا من هذين التصورين واعتبارهما حقيقتين واقعيتين من شأنه أن يصطدم بقناعات راسخة لدى الثوار السوريين تفصح عن تباين كبير في تشخيص ما يجري على الأرض السورية، ذلك أن ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية ضدّ نظام مستبد وليس حرباً أهلية، وقبول السوريين بمبادرات جزئية أو محلية لا ينسجم مع تطلعاتهم الرامية إلى إيجاد حل سياسي شامل للقضية السورية. ثمّ إن الإقرار بتوصيف ميستورا لحقيقة المشكلة السورية لا يضيف إلى ما أراد النظام تعزيزه في قناعة المجتمع الدولي منذ الطور السلمي للثورة، أي منذ الأشهر الأربعة الأولى، على لسان بثينة شعبان، حين أشارت إلى أن سوريا تشهد حرباً أهلية بسبب وجود إرهابيين ودعت المجتمع الدولي للتضامن مع النظام ضد الإرهاب على حدّ قولها. وكذلك اعتبار تنظيم داعش خطراً مشتركاً على النظام والمعارضة بآن معاً هو تصوّر تنقضه الوقائع، بل ما يمكن تأكيده هو أن وجود داعش وتقاطع المصالح بينها وبين نظام الأسد هو ما يشكل خطراً مزدوجاً على المعارضة السورية، فلولا احتلال داعش لمساحات واسعة من المناطق المحررة بالأصل وكذلك استنزافها للجيش الحر من خلال المواجهات الدامية المستمرة لما تمكن نظام الأسد من إحراز أي تقدم عل الأرض، وما أمكن له أيضاً الاقتراب من المشارف الشرقية والشمالية لمدينة حلب.
وواقع الحال، أنْ لا غرابة من ترحيب النظام بهكذا مبادرة، ولو من حيث الشكل فقط، فهي تتيح له على الأقل فرصة لمحاورة المجتمع الدولي، مما يعني إعادة شرعنة النظام، كما تتيح له المزيد من الوقت للاستمرار في ذبح الشعب السوري، كما يمكن أن تكون أيضاً منفذاً لنظام الأسد للالتفاف على مبادئ جنيف 1 – التي يرى فيها الجميع حلا مناسبا للقضية السورية.
ربما لدى السيد دي ميستورا ما لم يقله بعد، ولكن أعتقد أن نظام الأسد قال كل ما لديه، كما أعتقد أن السوريين يدركون تماماً أن نظام الأسد مازال يراهن على أمرين اثنين:
1 – آلة القتل التي بحوزته، وهو بذلك يؤكد على تمسكه بالحل الأمني الذي لا يملك سواه.
2 – شيوع المزيد من التطرف وازدياد العنف ليؤكد للمجتمع الدولي أنه هو الطرف الي يقاوم الإرهاب في سوريا.
والأهم من ذلك كله أن ثقة السوريين بقدرة النظام على أي مبادرة لاجتراح حل سياسي في سوريا هي معدومة تماما، بسبب المجازر المستمرة التي لم تتوقف في كل الظروف، وإذا كان دي ميستورا يعوّل على مبادرته فليبدأ بإقناع الأسد أولاً على وقف القتل والتدمير والإجرام بحق السكان المدنيين، ثم يتحدث بعد ذلك عن حلول سياسية للأزمة.

حسن النيفي
المكتب السياسي


29 – 11 – 2014 




عين العرب، إزدواجية معايير سياسية أم فشل سياسي؟

ما من شك في أن مدينة (عين العرب) السورية وما يدور حولها من معارك باتت محور اهتمام العالم فهي المدينة الوحيدة من ريف حلب الشرقي التي ما زالت خارج سيطرة (داعش) ولعل السؤال الأكثر تردّداً على ألسنة الكثيرين: لماذا هذا الاستنفار العالمي العسكري والإعلامي والزخم الأمريكي الكبير من أجل مدينة عين العرب؟ في حين أن مقتل ما يقارب ثلاثمئة ألف سوري لم يحرك الضمير العالمي كما يتحرك اليوم؟ ولعلّنا نتوقع في الإجابة سيلاً عارماً من الاحتجاجات بل البكائيات التي ينمّ مجملها عن الشعور بالمظلومية القاسية التي اعتدنا عليها ويمكن إيجازها بما يلي: (العالم عدو لنا، دمنا مهدور ومباح، أمريكا منحازة للأكراد، أمريكا وإسرائيل والغرب وبقية العالم كله يتآمر علينا، العالم يكرهنا لأننا مسلمون...) أي لا جديد لدينا سوى المخزون التاريخي لنظرية المؤامرة الراكدة في أعماقنا. ولكن من المفيد أيضا أن نتساءل عن السبب الذي يجعل العالم يستنفر تعاطفاً ونصرةً لعين العرب، أعني ما الذي فعله الإخوة الأكراد حتى استطاعوا تجييش العالم لصالحهم ثمة أمور لا يمكن تجاهلها لعل أهمها:
1 – الأكراد السوريون ممثلون بأحزاب وتيارات كباقي الشعب السوري، ولكن الأحزاب الكردية تتميّز بمستوى تنظيمي وإداري جيد، وهذا ينعكس على أدائها انعكاساً مباشراً.
2 – الأحزاب والقوى الكردية ليست متفقة في الرؤى والتوجهات، بل يوجد بينها تناقضات وتباينات كبيرة من حيث الرؤى والمنطلقات، ولكنها تجيد بحرفية كبيرة فن وأصول الاختلاف، والذي يتحول، بفضل الطريقة المثلى لاستثماره، إلى مصدر قوّة وليس مصدر ضعف وتشتت.
3 – قدرة الأحزاب الكردية على التلاقي والتجمع بغية إيجاد مشتركات للعمل تستدعيها الظروف الطارئة، وهذا ما حصل في اجتماع (أربيل) الأربعاء الماضي.
4 – المستوى القتالي الحرفي العالي، والانضباط العسكري، والقيادة الموحدة للمعارك، والتنسيق الهرمي الدقيق بين المدني والعسكري.
5 – التنسيق الإعلامي بين معظم القوى الكردية بحيث يتم التركيز على ما هو مهم ومشترك وتجاهل القضايا الخلافية الأخرى.
6 – القدرة على مخاطبة العالم والوصول إلى أوسع نطاق بشري، وهذا يستدعي معرفة الطريقة التي يفكر بها الآخرون وما هي اهتماماتهم.
وفي العودة إلى نظرية (المؤامرة) التي تسكننا أقول: لنفترض جدلاً أنها صحيحة برمتها، وأن ما بداخلها من مضمرات هو صحيح، ولكن صحة ذلك لا تنفي على الإطلاق الحال الذي نحن فيه والذي لا يؤهلنا مطلقاً لكسب أية معركة سياسية أو عسكرية. فعلى المستوى السياسي يمكن القول إن الكيان الرسمي الذي يتعامل معه المجتمع الدولي هو (الائتلاف ) وقبله المجلس الوطني وكلاهما تمّ فرضه على الشعب السوري من جانب قوى دولية وإقليمية، وكان من الممكن له تجاوز هذه الإشكالية لو أنه استطاع أن يحقق استقلالية وطنية نسبية يمكن البناء عليها، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فقد ازدادت الانقسامات بفعل التأثير الإقليمي، وترسّخ مبدأ المحاصصة الحزبية والاستقطابات الشللية، وأصبح الجهد الذي يستهلكه أعضاء الائتلاف في معاركهم الداخلية أكبر بكثير من أي جهد أو نشاط سياسي يخدم المصلحة العامة. ولعل المعارك السياسية والمناطحات الشللية التي شهدها الائتلاف حيال إعادة انتخاب رئيس للحكومة المؤقتة خير دليل على ذلك. ولعل الحال خارج الائتلاف ليس هو الأفضل على الإطلاق، ذلك أن سوريا تكتظ بالأحزاب والتيارات والتجمعات السياسية التي تأسست حديثا أو ما كان منها موجوداً قبل الثورة، ولكنها على كثرتها سواء داخل الأرض السورية أو خارجها، لم تستطع أن تفرز كيانا سياسياً متماسكا يحظى بتأييد شعبي يمكّنه من أن يكون رديفاً للائتلاف أو بديلاً عنه، ولا يعود ذلك إلى ندرة الكفاءة السياسية لدى السوريين بقدر ما يعود إلى ندرة المؤسسات السياسية التي نفتقدها – نحن السوريين – حتى اللحظة الراهنة. أضف إلى ذلك أن ما ابتلي به الائتلاف من مناحرات وتجاذبات إيديولوجية وسياسية تكاد تتكرر أيضا في المساحات السياسية خارج الائتلاف، بل يمكن القول إن القوى السياسية السورية برمتها تفتقر إلى تأسيس الثقة المتبادلة فيما بينها، كما يلزمها الكثير من الجهد والعمل على بناء ذهنية قبول الآخر والإيمان بمبدأ التشاركية وعدم التشكيك، كما يلزمها المزيد من القناعة بأن أي مشروع وطني يستلزم بالضرورة التخلي عن النزعات الحزبية او الفردية الضيقة والأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية.
وليس حال القوى السورية العسكرية على الأرض أميز مما هو عليه سياسياً، ذلك أن توحيد القوى والفصائل العسكرية أصبح من الكلام المكرور غير المجدي، بل إن الفوضى العسكرية التي أسهمت في تشعب المشهد العسكري وعدم انضباطه في منظومة أو منظومات تنسق فيما بينها، قد فتح المجال واسعا للاختراقات التي حققتها القوى المتطرفة التي باتت تشكل تهديداً لحاضر ومستقبل الثورة السورية لا يقل خطورة عما تقوم به قوات نظام الأسد وحلفاؤه.
وإزاء هذا الخلل أو القصور السياسي والعسكري المهيمن على واقع الثورة السورية، قل أن نجد من يحاول – أحزاب أو شخصيات – العمل على التماس بدايات سليمة والبناء عليها، وإن وجدت هذه الحالات فإنها تُقابل بمزيد من التشكيك والريبة.
ما تمّ إنجازه ببراعة يندر شبيهها هو ظهور طابور(فيسبوكي) هائل يتقن لغة الشتم والتخوين والتجريح البعيد عن النقد الحقيقي النابع من الإحساس بالمسؤولية، بل لقد بات يخيل إلى الكثير من الفيسبوكيين أن المعيار الحقيقي للوطنية هو القدرة على كيل الشتائم والتخوين وادعاء البطولات الوهمية والانفراد بالوصاية على الثورة، حتى بات الجميع يخوّن الجميع، وكم يتمنى المرء لو أن هذه الحميّة على الثورة – كما يدّعي الشتامون – تتحول إلى حميّة في إنتاج الأفكار والمبادرات أو أي سلوك ذي فائدة.


ما أريد قوله: إن تضحيات الشعب السوري التي فاقت التصورات، كما أن البسالة التي أبداها الشعب السوري في مقاومة الطغيان الأسدي وأحلافه، لم تحقق على المستوى السياسي والعسكري حتى اللحظة الراهنة الأهداف والتطلعات التي توازي هذه التضحيات العظيمة، والسبب – كما أزعم – ليس المخزون التاريخي لنظرية المؤامرة فحسب، بل عدم قدرتنا على تحقيق منجز ثوري سياسي بالدرجة الأولى وعسكري بالدرجة الثانية من شأنه أن يجعل القضية السورية محطّ اهتمام العالم. لإيماني العميق أن الآخر (العالم – أصحاب المصالح) يميلون إلى التعامل – كما تقتضي مصالحهم – مع الكيانات المتعافية السليمة القادرة على التفاعل، وهذه لا تتحقق إلا بالعمل من خلال آليات ووسائل وبنى ذهنية منبثقة من واقع الثورة وعصريتها وليست من اجترارات ثقافتنا البائسة. 

حسن النيفي

المكتب السياسي
10/11/2014



انتخابات الهيئة الرئاسية للائتلاف: قراءة في متطلبات المرحلة المقبلة

على مدار أيام عديدة في بحور الأسابيع الماضية كان موضوع الصراع الدائر في خضم إنتخابات الهيئتين الرئاسية والسياسية للائتلاف هو محور إهتمام عديد من السوريين ومنابر الإعلام المحلية وبعض العربية، والأمر في هذا طبيعي إنطلاقا من أمرين إثنين الأول أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، هو الوعاء الأكبر والأكثر تمثيلا، والأهم بين الكيانات المعارضة، والثاني أن اختيار رأساً جديداً للائتلاف يأتي بمرحلة إنعطاف حادة وخطيرة في المنطقة بعد التوسع الجغرافي الذي أحدثه تنظيم دولة العراق والشام، والذي قاد الى إعلان وتأسيس دولة, الأمر الذي يفرض كثيراً من التحديات المؤثرة على قوى المعارضة السورية والراغبين في إجراء تغيير حقيقي مقنع.

مابين العمل المؤسسي والبيئة المؤسسة.

عودة إلى الخلف، تؤكد لنا أن الصراع الدائر بين كتل الائتلاف المتنافسة على الرئاسة ليس بجديد, ولا بمستهجن, فصراعات كتلك لهي جزء مكين من أي حراك سياسي كان في أي ظرف كان.
فمما لاشك فيه إن الظرف الذي قاد الى تأسيس الائتلاف من حيث الشكل عن طريق القص واللصق السريعة لقوى وشخصيات من المعارضة من اجل انجاز مهمة محددة، كان قد أسس أيضا لبنية تعج بالإستقطابات والتنافس المحموم ، إن لم يكن تناحراً في بعض الأحيان, مع الإقرار إن تلك الحاضنة كانت قد أضحت مركزا تدريبيا يعيش  فيه السوريون ( الذين طالما حرموا من عمل مؤسسي معارض) بإمتياز حياة سياسية مؤسساتية ضمن آليات عمل ديموقراطي.
لقد دللت سيرورة الإجراءات التي خاضها الائتلاف مؤخرا، ورغم الإستقطابات ذات اللون الفاقع، أن المعارضة السورية بدأت تتقن لعبة المؤسسات والعمل الديموقراطي، فلقد كان الجدل عنيفاً وجارحاً بعض الأحيان وكانت الإنتقادات صريحة وجريئة وبعيدة عن التملق والتزلف، وقد قيض لقانون المؤسسة أن يضبط صناديق الإنتخابات بحرفية قل نظيرها بغض النظر عن النتائج التي تحكمت بها الولاءات الجديدة المتأتية من تحالف خصوم الأمس.
وفي هذا الحيز سيكون من الضروري الإنتقال الى ماهو أبعد من تشابك وتنافر كيانات الائتلاف، فليس من العسير أن نستقرأ إعادة تقسيم جديد لأدوار الدول المؤثرة والداعمة للثورة السورية.
إن تقاطعا في المصالح أو تسليما لملف كان قد حدث مابين الدولتين الأكثر تأثيراً وهما السعودية وقطر وقد ألقى بظلاله على حركة التحالفات داخل الائتلاف. وذلك أن تحالفا مابين الأكثر خصومة وهم فريقا الجربا والصباغ، وكذلك إنسحاب رياض حجاب من محاولة الترشح، ومن ثم تحالفاً قاد الى اقصاء متعمد لجماعة الاخوان المسلمين من هيئة الرئاسة، إضافة الى مشاهد سابقة تخص دولة قطروأبداءها تراجعاً ملموساً في دعم قوى المعارضة ولو ظاهراً، وذلك على خلفية التهديدات السعودية لها، كلها تقودنا الى هذا الفهم. 

واقع مفهوم وتحديات مطلوبة.
لم تثر قوى المعارضة عبر تاريخها حالة من السخط والتذمر عند عموم السوريين الطامحين للتغير كما أثاره الائتلاف، كما لم ينل جسم معارض قط محاولة تطويع وإحتواء من منظومة المصالح الدولية كما نال الائتلاف.
وإن أردنا ان نجد شبيها له في الحالة السياسية من حيث الإستقطاب والإحتواء فلن نجده إلا في الحالة اللبنانية التي كانت الولاءات للخارج (ومازالت) هي السمة الأكثر ملاحظة مع فارق متطلبات الواقع، ففي الحالة اللبنانية فإن هناك دولة ومؤسسات منجزة، ومجتمع يتم تخديمه من قبل تلك المؤسسات، أما في واقعنا السوري فإن إرتهانات الائتلاف خصوصا وقوى المعارضة عموما للحالة الدولية يعود بأثر مباشر على مجتمع الثورة، فمن تغول وتمدد الحركات المشبوهة في جغرافية الثورة مرورا بتعثر إمدادات المال والسلاح إلى العجز الكامل عن إنجاز مؤسسة الدولة على الأراضي المحررة، شكل هذا كله حالة من الرفض للائتلاف وعموم المعارضة، مما يقلل من حظوظهما في تأسيس حاضنة سورية تشكل قاعدة للإمداد المادي واللوجستي وتقود بالضرورة الى تحرير القرار السوري من براثن المصالح الدولية.
وإن كانت حداثة التجربة من جهة وثقل التحرك الدولي المنقطع النظير والمربك، إضافة تعقيدات الموقف الدولي وسعار المصالح وتداخلها مع المصلحة الاسرائيلية التي تشكل أولوية عليا من أولويات الغرب والتي تقودنا كلها الى تفهم ذاك التعثر الذي يسبغ حراك الائتلاف، فإن  استمرار تلك  التبعية والركض اللاهث وراء استرضاء داعم ما، لاتتقاطع مصلحة الثورة وأمالها معإ استراتجياته تمام المطابقة، ستقود إلى تحويل الائتلاف إلى عبئ إضافي على كاهل الثورة تكون ضرورة إستبداله بجسم أخر مقدمة ملحة لإسقاط النظام.
ومن باب إقرارنا وتفهمنا صعوبة تطويع حالة المصالح الدولية لصالح العمل السوري المعارض، فإن العمل الحثيث والمخلص لإيجاد داعم بديل يتمثل ببيئة شعبية سورية في المهجر رغم ضألة وتواضع إمكانياتها، ولكن يمكن لها ان تشكل الحد الأدنى الضامن لاستمرار الثورة من خلال استمرار دعم مادي ما ومعنوي أهم، يشكل منقذاً أوحداً ووحيداً من حالة إنسداد الأفق التي أوصلتنا أياها تعقيدات الحالة وإرتهانات المعارضة.


نبيل قسيس
المكتب السياسي

15/07/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق