Translate

الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

مابعد خطاب اوباما
وجهة نظر

بعد الخطاب الذي ألقاه أوباما مساء أمس أمام مجلس الشيوخ ، والذي أوضح فيه الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لمواجهة تنظيم ( داعش ) في العراق وسوريا ، و بات واضحا أن المنطقة العربية ستشهد حربا أو سلسلة حروب بدأت بالحرب على داعش ولكن لا أحد يدري إلى أين ستنتهي , فليس صحيحا على الإطلاق أن الحرب ستكون بين طرفين محدّدين ( أمريكا – داعش ) بل هناك عدّة أطراف هي معنيّة بهذه الحرب سواء أفصحت عن ذلك أم لم تفصح ، ولعلّ المشهد العراقي على الرغم من دمويته لا يحمل ذلك التعقيد الذي ينطوي عليه المشهد السوري ، ففي العراق ثمة تفاهم بين النظام وأمريكا من جهة ، وبين أمريكا والبشمركة من جهة أخرى ، أما الثوار المناهضون للنظام في العراق والذين يمثلون معظم المسلمين السنة فلا هم يستطيعون سحب البساط من تحت داعش أو أخذ المبادرة منها ، ولا هم يؤيدون حكومة حيدر العبادي الجديدة بل يرون فيها استمراراً لنهج المالكي الطائفي الإقصائي ، وبالتالي فإن الحرب الأمريكية لن تحمل بالنسبة إليهم سوى المزيد من دعم النظام القائم للحفاظ على مصالح امريكا في العراق ، أما المكوّنات الأخرى كالمسيحيين والإيزيديين فهم بالنسبة لأمريكا والغرب عموما ورقة ثمينة استُدمت ببراعة للإسراع في عملية التدخل ولبرير تدفق السلاح النوعي إلى قوات البشمركة العراقية .
وفي موازاة ذلك لا يبدو المشهد السوري قابلا للوضوح ، ففي حين تكشف التصريحات الأمريكية عن نيّة دعم الفصائل المعتدلة من الجيش الحر لتحارب داعش تحت غطاء جوي أمريكي فإن ثمة تصريحات أمريكية أخرى تؤكد أن دعم المعارضة السورية بالسلاح لن يتم دون موافقة الكونغرس ، ولعلّ هذا التردد في الموقف الأمريكي حيال المعارضة السورية يُبقي آمال نظام الأسد قائمة في إيجاد دور له يستطيع من خلاله إعادة إنتاج نفسه ، خاصة وأن وزير خارجية النظام وليد المعلم قد أعطى الضوء الأخضر منذ أيام بجاهزية نظام الأسد لأي خدمة يقوم بها مقابل بقائه في السلطة ، ولكن رغبة الأمريكان بعدم تخلخل الحلف الذي سعت لإنشائه إقليميا ودوليا يجعلهم يرفضون أي تنسيق أو شراكة مع نظام الأسد بل يعدّونه فاقداً للشرعية للشرعية .
ويبقى الدورالإيراني من أهم عوامل التصعيد وتأزيم الموقف ، نظرا للحضور الإيراني القوي في كل من العراق وسورية معا ،فالعداء التقليدي بين إيران وأمريكا يمكن إعادة صياغته من جديد وفقاً للمصالح الراهنة ، إذ إن الإرث السياسي المشترك لكلا الطرفين ( أمريكا وإيران ) حافل بإعادة إنتاج العداء المتبادل وصياغته وفقا للمصالح الراهنة للطرفين ، ففي عام 2003 لعبت إيران دورا إيجابيا حيال الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق مقابل إطلاق يدها في العراق ووصايتها على حكومته ، واليوم تبدو مستعدة جدا لمساومة جديدة ربما تجعل الملف النووي الإيراني بعيدا عن الاستهداف مقابل القيام بدور يتماهى مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة .
أمريكا وإيران ونظاما المالكي والأسد ومعهم حلف دولي وإقليمي يتألف من أكثر من أربعين دولة ، كلهم يصرخون : ( داعش ) ويستنفرون ويحاولون تجييش العالم أجمع لدرء هذا الخطر ، وهم قد ساهموا جميعا بتسريب هذا الكيان الداعشي إلى منطقتنا وعملوا جميعا على نموّه حتى انتفخ وتضخم ، وحينها أدرك الجميع فداحة خطورته ، وواقع الحال أن لا أحد يجهل على الإطلاق أن هذا الغول الداعشي قد استُثمر جيدا وانتهت مصلحة أمريكا والأسد وإيران من وراء بقائه ، وعلينا نحن – سكان المنطقة - أن نواجه الموت والدمار لانتزاعه ودرء خطره .
ولا جديد على الإطلاق في القول : إن جميع القوانين التي تتحكم في الصراع الدولي والإقليمي كما أن جميع الدواعي الأمريكية وسواها للحرب المقبلة في منطقتنا هي معايير واعتبارات مصالح الطرف الأقوى ( الأوروأمريكي ) ولا شيء سوى ذلك ، ولاجديد –أيضا – في القول : إن محاربة الإرهاب هي كذبة كبرى تفضحها كل يوم مآسي الشعوب المقهورة التي تُمارس بحقها أبشع الجرائم ، إذ قلّ أن نجد في التاريخ الحديث حاكماً قتل من شعبه نصف مليون مواطن وجرح وشرّد أضعاف ذلك ولم يترك سلاحا تحظره الأعراف الدولية إلا واستخدمه في سحق مواطنيه سوى نظام الأسد ، وذلك على مرآى ومسمع كل المتشدّقين بالقيم الإنسانية ، بل إن خسّة ونذالة الضمير العالمي حيال ما يُمارس على الشعب السوري من ظلم ودمار تجعل المرء يشك في كل منظومة قيمية معاصرة .
كل ما يمارسه نظام الأسد والميليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية من ذبح ودمار وتهجير بحق السوريين لم يكن سببا كافيا لأن يُسمى إرهابا يستدعي التدخل الدولي ، لأن قتل الشعب السوري لا يؤثر على المصالح الأمريكية .
ولكن علينا أن ندرك جيدا وبموضوعية مفرطة ، أن جلاء الحقائق ، وإدانات العالم أجمع ، وصرخات المقهورين جميعا ، وفضح كل ادّعاءات الزور ، و اعتراضات الروس أو إيران لا يمكن أن تحول دون التدخل الأمريكي ، سيتدخل الأمريكان في بلادنا رغما عنا ، وسوف تقع القذائف الأمريكية فوق أهلنا ولن تشفع لنا أو تفيدنا بيانات الإدانة والشجب والاستنكار ، وسنجد أنفسنا أمام واقع لا خيار لنا بصياغته ،
فعلى ماذا يراهن الثوار السوريون الذين يقاومون نظام الأسد وداعش معا حيال التدخل الأمريكي المفروض على سوريا ؟
مهما تشعبت الأمور وازداد الموقف تأزماً فإن ثمة حيّزا هاما لخيار وطني يجب عدم التخلي عنه ، بل إن الثوار السوريين عسكريين ومدنيين ما يزالون ممسكين بجانب كبير من المبادرة غلى الأرض السورية وإن مازال أمامهم الكثير الذي لم يقوموا به وعليهم التداعي بأسرع وقت ممكن لصياغة مشروع وطني يضع مصلحة ومطامح الشعب السوري فوق كل المصالح الجزئية ، يقينا منا أن من سيسقِط النظام الأسدي هم السوريون ومن سيطرد الإرهاب هم السوريون ، لأن من انطلق بالثورة ونادى بالحرية والكرامة هم السوريون .


11 – 9 - 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق