Translate

السبت، 29 نوفمبر 2014

مبادرة دي ميستوارا: التصورات والوقائع
وجهة نظر

لعلّ الإلحاح على تأويل مالا يُؤوَّل يؤدي بالمرء أحياناً إلى استنتاجات لا قرائن مادية لها في الواقع المحسوس، وأعني بذلك ما قيل ويقال في المبادرة التي حملها السيد ستيفان دي مستورا مكلّفاً من الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.
جدير بالذكر أن ميستورا نفسه لم يكشف النقاب عن فحوى هذه المبادرة سوى انه ذكر بأن مبادرته تهدف إلى وقف القتال في مدينة حلب، كما أشار إلى أنه التقى برأس النظام في دمشق وأن بشار الأسد أولى أهمية لما حمله ميستورا ووعد بدراسة هذه المبادرة، في حين أن ممثلين عن القوى العسكرية الموجودة على الأرض في مدينة حلب قرنوا موافقتهم على المبادرة بعدة شروط على رأسها رحيل الأسد من السلطة، وربما صدرت عن ميستورا تصريحات هنا وهناك ولكن أيّاً منها لا يكشف عن جوهر هذه المبادرة من حيث الوسائل والآليات والأهداف.
وإن كان ثمة ما يبنى عليه من تحليلات في هذا الأمر فإنني أرى أنه ينبغي الوقوف عند ما هو واضح وجلي قبل المضي نحو ما هو مضمر ومؤوَّل، لقد كان ميستورا صريحاً للغاية عندما حدّد الأسباب التي دفعته إلى المنطقة، إذ حدّدها بسببين:
1 – ما يجري في سوريا هو حرب أهلية، وصلت إلى درجة عالية من العنف، وربما بمقدور هذه المبادرة أن تعمل على وقف القتال في بعض الأماكن والبلدات، ولتكن مدينة حلب أولا.
2 – إن وجود تنظيم داعش في مساحات واسعة من سوريا من شأنه أن يشكل خطراً مشتركاً على النظام وعلى المعارضة معاً، ومن شأن هذا الخطر المشترك أيضاً أن يسهم في تقريب وجهات النظر أو أن يخلق مناخاً ملائماً للتفاوض بين النظام والمعارضة.
ولعلّ انطلاق دي ميستورا من هذين التصورين واعتبارهما حقيقتين واقعيتين من شأنه أن يصطدم بقناعات راسخة لدى الثوار السوريين تفصح عن تباين كبير في تشخيص ما يجري على الأرض السورية، ذلك أن ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية ضدّ نظام مستبد وليس حرباً أهلية، وقبول السوريين بمبادرات جزئية أو محلية لا ينسجم مع تطلعاتهم الرامية إلى إيجاد حل سياسي شامل للقضية السورية. ثمّ إن الإقرار بتوصيف ميستورا لحقيقة المشكلة السورية لا يضيف إلى ما أراد النظام تعزيزه في قناعة المجتمع الدولي منذ الطور السلمي للثورة، أي منذ الأشهر الأربعة الأولى، على لسان بثينة شعبان، حين أشارت إلى أن سوريا تشهد حرباً أهلية بسبب وجود إرهابيين ودعت المجتمع الدولي للتضامن مع النظام ضد الإرهاب على حدّ قولها. وكذلك اعتبار تنظيم داعش خطراً مشتركاً على النظام والمعارضة بآن معاً هو تصوّر تنقضه الوقائع، بل ما يمكن تأكيده هو أن وجود داعش وتقاطع المصالح بينها وبين نظام الأسد هو ما يشكل خطراً مزدوجاً على المعارضة السورية، فلولا احتلال داعش لمساحات واسعة من المناطق المحررة بالأصل وكذلك استنزافها للجيش الحر من خلال المواجهات الدامية المستمرة لما تمكن نظام الأسد من إحراز أي تقدم عل الأرض، وما أمكن له أيضاً الاقتراب من المشارف الشرقية والشمالية لمدينة حلب.
وواقع الحال، أنْ لا غرابة من ترحيب النظام بهكذا مبادرة، ولو من حيث الشكل فقط، فهي تتيح له على الأقل فرصة لمحاورة المجتمع الدولي، مما يعني إعادة شرعنة النظام، كما تتيح له المزيد من الوقت للاستمرار في ذبح الشعب السوري، كما يمكن أن تكون أيضاً منفذاً لنظام الأسد للالتفاف على مبادئ جنيف 1 – التي يرى فيها الجميع حلا مناسبا للقضية السورية.
ربما لدى السيد دي ميستورا ما لم يقله بعد، ولكن أعتقد أن نظام الأسد قال كل ما لديه، كما أعتقد أن السوريين يدركون تماماً أن نظام الأسد مازال يراهن على أمرين اثنين:
1 – آلة القتل التي بحوزته، وهو بذلك يؤكد على تمسكه بالحل الأمني الذي لا يملك سواه.
2 – شيوع المزيد من التطرف وازدياد العنف ليؤكد للمجتمع الدولي أنه هو الطرف الي يقاوم الإرهاب في سوريا.
والأهم من ذلك كله أن ثقة السوريين بقدرة النظام على أي مبادرة لاجتراح حل سياسي في سوريا هي معدومة تماما، بسبب المجازر المستمرة التي لم تتوقف في كل الظروف، وإذا كان دي ميستورا يعوّل على مبادرته فليبدأ بإقناع الأسد أولاً على وقف القتل والتدمير والإجرام بحق السكان المدنيين، ثم يتحدث بعد ذلك عن حلول سياسية للأزمة.

المكتب السياسي للحزب الوطني للعدالة والدستور


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق