Translate

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

                    عين العرب، إزدواجية معايير أم فشل سياسي؟

                                  وجهة نظر



 ما من شك في أن مدينة (عين العرب) السورية وما يدور حولها من معارك باتت محور اهتمام العالم فهي المدينة الوحيدة من ريف حلب الشرقي التي ما زالت خارج سيطرة (داعش) ولعل السؤال الأكثر تردّداً على ألسنة الكثيرين: لماذا هذا الاستنفار العالمي العسكري والإعلامي والزخم الأمريكي الكبير من أجل مدينة عين العرب؟ في حين أن مقتل ما يقارب ثلاثمئة ألف سوري لم يحرك الضمير العالمي كما يتحرك اليوم؟ ولعلّنا نتوقع في الإجابة سيلاً عارماً من الاحتجاجات بل البكائيات التي ينمّ مجملها عن الشعور بالمظلومية القاسية التي اعتدنا عليها ويمكن إيجازها بما يلي: (العالم عدو لنا، دمنا مهدور ومباح، أمريكا منحازة للأكراد، أمريكا وإسرائيل والغرب وبقية العالم كله يتآمر علينا، العالم يكرهنا لأننا مسلمون...) أي لا جديد لدينا سوى المخزون التاريخي لنظرية المؤامرة الراكدة في أعماقنا. ولكن من المفيد أيضا أن نتساءل عن السبب الذي يجعل العالم يستنفر تعاطفاً ونصرةً لعين العرب، أعني ما الذي فعله الإخوة الأكراد حتى استطاعوا تجييش العالم لصالحهم ثمة أمور لا يمكن تجاهلها لعل أهمها:
1 – الأكراد السوريون ممثلون بأحزاب وتيارات كباقي الشعب السوري، ولكن الأحزاب الكردية تتميّز بمستوى تنظيمي وإداري جيد، وهذا ينعكس على أدائها انعكاساً مباشراً.
2 – الأحزاب والقوى الكردية ليست متفقة في الرؤى والتوجهات، بل يوجد بينها تناقضات وتباينات كبيرة من حيث الرؤى والمنطلقات، ولكنها تجيد بحرفية كبيرة فن وأصول الاختلاف، والذي يتحول، بفضل الطريقة المثلى لاستثماره، إلى مصدر قوّة وليس مصدر ضعف وتشتت.
3 – قدرة الأحزاب الكردية على التلاقي والتجمع بغية إيجاد مشتركات للعمل تستدعيها الظروف الطارئة، وهذا ما حصل في اجتماع (أربيل) الأربعاء الماضي.
4 – المستوى القتالي الحرفي العالي، والانضباط العسكري، والقيادة الموحدة للمعارك، والتنسيق الهرمي الدقيق بين المدني والعسكري.
5 – التنسيق الإعلامي بين معظم القوى الكردية بحيث يتم التركيز على ما هو مهم ومشترك وتجاهل القضايا الخلافية الأخرى.
6 – القدرة على مخاطبة العالم والوصول إلى أوسع نطاق بشري، وهذا يستدعي معرفة الطريقة التي يفكر بها الآخرون وما هي اهتماماتهم.
وفي العودة إلى نظرية (المؤامرة) التي تسكننا أقول: لنفترض جدلاً أنها صحيحة برمتها، وأن ما بداخلها من مضمرات هو صحيح، ولكن صحة ذلك لا تنفي على الإطلاق الحال الذي نحن فيه والذي لا يؤهلنا مطلقاً لكسب أية معركة سياسية أو عسكرية. فعلى المستوى السياسي يمكن القول إن الكيان الرسمي الذي يتعامل معه المجتمع الدولي هو (الائتلاف ) وقبله المجلس الوطني وكلاهما تمّ فرضه على الشعب السوري من جانب قوى دولية وإقليمية، وكان من الممكن له تجاوز هذه الإشكالية لو أنه استطاع أن يحقق استقلالية وطنية نسبية يمكن البناء عليها، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فقد ازدادت الانقسامات بفعل التأثير الإقليمي، وترسّخ مبدأ المحاصصة الحزبية والاستقطابات الشللية، وأصبح الجهد الذي يستهلكه أعضاء الائتلاف في معاركهم الداخلية أكبر بكثير من أي جهد أو نشاط سياسي يخدم المصلحة العامة. ولعل المعارك السياسية والمناطحات الشللية التي شهدها الائتلاف حيال إعادة انتخاب رئيس للحكومة المؤقتة خير دليل على ذلك. ولعل الحال خارج الائتلاف ليس هو الأفضل على الإطلاق، ذلك أن سوريا تكتظ بالأحزاب والتيارات والتجمعات السياسية التي تأسست حديثا أو ما كان منها موجوداً قبل الثورة، ولكنها على كثرتها سواء داخل الأرض السورية أو خارجها، لم تستطع أن تفرز كيانا سياسياً متماسكا يحظى بتأييد شعبي يمكّنه من أن يكون رديفاً للائتلاف أو بديلاً عنه، ولا يعود ذلك إلى ندرة الكفاءة السياسية لدى السوريين بقدر ما يعود إلى ندرة المؤسسات السياسية التي نفتقدها – نحن السوريين – حتى اللحظة الراهنة. أضف إلى ذلك أن ما ابتلي به الائتلاف من مناحرات وتجاذبات إيديولوجية وسياسية تكاد تتكرر أيضا في المساحات السياسية خارج الائتلاف، بل يمكن القول إن القوى السياسية السورية برمتها تفتقر إلى تأسيس الثقة المتبادلة فيما بينها، كما يلزمها الكثير من الجهد والعمل على بناء ذهنية قبول الآخر والإيمان بمبدأ التشاركية وعدم التشكيك، كما يلزمها المزيد من القناعة بأن أي مشروع وطني يستلزم بالضرورة التخلي عن النزعات الحزبية او الفردية الضيقة والأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية.
وليس حال القوى السورية العسكرية على الأرض أميز مما هو عليه سياسياً، ذلك أن توحيد القوى والفصائل العسكرية أصبح من الكلام المكرور غير المجدي، بل إن الفوضى العسكرية التي أسهمت في تشعب المشهد العسكري وعدم انضباطه في منظومة أو منظومات تنسق فيما بينها، قد فتح المجال واسعا للاختراقات التي حققتها القوى المتطرفة التي باتت تشكل تهديداً لحاضر ومستقبل الثورة السورية لا يقل خطورة عما تقوم به قوات نظام الأسد وحلفاؤه.
وإزاء هذا الخلل أو القصور السياسي والعسكري المهيمن على واقع الثورة السورية، قل أن نجد من يحاول – أحزاب أو شخصيات – العمل على التماس بدايات سليمة والبناء عليها، وإن وجدت هذه الحالات فإنها تُقابل بمزيد من التشكيك والريبة.
ما تمّ إنجازه ببراعة يندر شبيهها هو ظهور طابور(فيسبوكي) هائل يتقن لغة الشتم والتخوين والتجريح البعيد عن النقد الحقيقي النابع من الإحساس بالمسؤولية، بل لقد بات يخيل إلى الكثير من الفيسبوكيين أن المعيار الحقيقي للوطنية هو القدرة على كيل الشتائم والتخوين وادعاء البطولات الوهمية والانفراد بالوصاية على الثورة، حتى بات الجميع يخوّن الجميع، وكم يتمنى المرء لو أن هذه الحميّة على الثورة – كما يدّعي الشتامون – تتحول إلى حميّة في إنتاج الأفكار والمبادرات أو أي سلوك ذي فائدة.

ما أريد قوله: إن تضحيات الشعب السوري التي فاقت التصورات، كما أن البسالة التي أبداها الشعب السوري في مقاومة الطغيان الأسدي وأحلافه، لم تحقق على المستوى السياسي والعسكري حتى اللحظة الراهنة الأهداف والتطلعات التي توازي هذه التضحيات العظيمة، والسبب – كما أزعم – ليس المخزون التاريخي لنظرية المؤامرة فحسب، بل عدم قدرتنا على تحقيق منجز ثوري سياسي بالدرجة الأولى وعسكري بالدرجة الثانية من شأنه أن يجعل القضية السورية محطّ اهتمام العالم. لإيماني العميق أن الآخر (العالم – أصحاب المصالح) يميلون إلى التعامل – كما تقتضي مصالحهم – مع الكيانات المتعافية السليمة القادرة على التفاعل، وهذه لا تتحقق إلا بالعمل من خلال آليات ووسائل وبنى ذهنية منبثقة من واقع الثورة وعصريتها وليست من اجترارات ثقافتنا البائسة. 

المكتب السياسي للحزب الوطني للعدالة والدستور.
23/10/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق