Translate

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

ملامح مشروع سياسي لحزب (وعد)
أفكار وتصورات.

1 - الأسباب الموجبة :
يكتنف مفهوم ( الحزب ) في الوسط الإجتماعي السوري المزيد من الضبابية والريبة في الفهم، ولعل مرد ذلك إلى إنعدام الثقافة الحزبية لدى السوريين طيلة نصف قرن، وذلك نتيجة تصحر الحياة السياسية جرّاء الحكم الإستبدادي الذي مورس بحق السوريين 
ولم تستطع الأحزاب السياسية السورية التقليدية – بحكم واقعها المأزوم – أن تسهم في تجسيد قناعة لدى الناس مغايرة للقناعة المستقرة في أذهانهم، ذلك أن السوريين لم يحصدوا قطُّ ثمرات نشاط حزبي ملموس في سورية لا قبل الثورة ولا بعد إنطلاقتها، ويعود ذلك إلى النهج الذي مارسته الأحزاب في تواصلها مع الناس والتعامل مع قضاياهم، حيث أعتمدت على الضخ الأيديولوجي وإغراق الناس بالعواطف والأمنيات والأفكار دون ملامسة الواقع الإجتماعي وما تستدعيه حياة المواطنين من حاجيات.
إن إنفجار ثورات الربيع العربي الذي أثبتت كشوفاته الثقافية أن هواجس المواطن السوري وهمومه ومعاناته لم تكن بمنآى عن إهتمام السلطة الحاكمة فحسب، بل بمنآى عن الأحزاب التي كانت تُصنف في صفوف المعارضة أيضاً.
ولم تتمكن المعارضة السورية أن تجعل من برامجها وشعاراتها السياسية برامج حياتية تستمد مضمونها من حياة الناس ونشاطهم الإجتماعي، بل ظلت في غالب الأحيان تدفع ثمن معارضتها للسلطة دون أن تتمكن من تقديم البدائل الأفضل.
ومما زاد الأمر تعقيدا وخطورة ظهور التيارات الراديكالية في الإسلام السياسي التي ساهمت باستنزاف الثورة السورية وأنحراف مسارها، وكان من مفرزات هذه التيارات ظهور المجموعات المسلحة المتطرفة التي أعادت إنتاج الإستبداد والقمع وممارسة الظلم بأسوأ تجلياته، حيث لم تسع هذه المجموعات أو التنظيمات المتطرفة إلى العمل لتحرير المجتمع من الظالم الواقع عليه لتفسح له المجال في اختيار أو صياغة المستقبل الذي ينشده، بل سعت إلى فرض تصوراتها وأجنداتها على المجتمع بالإكراه مدّعية إمتلاك الحقيقة كاملة وما على الآخرين سوى الرضوخ لها، ووفقاً لذلك ، لم يعد السلاح الذي تمتلكه هذه القوى وسيلة للتغيير والتحرير المجتمعي بل أصبح كابحاً حقيقياً لمسيرة الثورة وأداة لتسلّط جديد وموازٍ لتسلّط نظام الأسد.
ولعلّ المراد من كل ما تقدم من كلام هو الوصول إلى السؤال التالي :
ما هو التحدّي الأبرز الذي يواجهه حزب ( وعد ) الذي يطمح لأن يكون حاملا لمشروع اجتماعي ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بدّ من ذكر نقطتين هامتين:
1 – ولادة حزب ( وعد ) إبان اتطلاقة الثورة السورية توجب عليه تحديد دوره بدقة ووضوح من الثورة وذلك من خلال برنامج عمل قابل للتجسيد على أرض الواقع.
2 – المرجعية الٍإسلامية للحزب تجعله يواجه إرثا ثقيلا من مفرزات الإسلام السياسي، فهل سيلجأ حزب وعد للتبرؤ من هذا الإرث بالتغاضي والسكوت، أم سيقدم على إثبات تمايزه من خلال رؤية نظرية وبرنامج عمل بآن معاً ؟ .

 2 - الرؤية:
ثمة سمات عامة للأحزاب السياسية السورية التي واكبت المرحلة الزمنية الممتدة من مرحلة ما بعد الإستقلال وحتى نهاية القرن العشرين، ولعل أهم تلك السمات:
1 – الإنشغال بالإيديولوجيا ، والسعي الحثيث على إيجاد مبرر إيديولوجي لوجود الحزب، وذلك بدلاً من الإهتمام بالبرنامج الحزبي الذي ينبغي أن يتجسّد على أرض الواقع، وهذا يعني أن العقيدة الحزبية هي مصدر شرعية الحزب وليست الوظيفة الإجتماعية التي يقتضيها الواقع الإجتماعي لحياة الناس.
2 – الإستغراق الكامل في الشأن السياسي للأمة، والإهتمام البالغ بتصدير الخطابات والبيانات التي تلبي – في معظم الأحيان – حاجة نفسية للأنا المهزومة بالدرجة الأولى – وخاصة لدى الأحزاب القومية ، وذلك أكثر من الإهتمام بحاجات الناس الإجتماعية والإقتصادية وغيرها.
3 – الإدّعاء بتمثيل جميع الجماهير، دون الإلتفات إلى التباين الإجتماعي والفكري بين شرائح المجتمع.
4 – عدم قدرة هذه الأحزاب على إعادة إنتاج مضامينها الإيديولوجية وذلك وفقا لتغير الظروف والأحوال، الأمر الذي جعل الأفكار الحزبية أقرب إلى أيقونات ذات وظيفة تزيينية غير قادرة على مقاربة الواقع الإجتماعي.
5 – نموّ لوثة الإستبداد في الممارسة السياسية بسبب الإعتقاد باحتكار الحقيقة، ونفي أي شرعية لوجود الآخر.
6 – الضحالة الفكرية والثقافية في معظم المكوّنات الحزبية، واعتماد الأحزاب السياسية على البرامج الثقافية التي تعززقناعاتها بسلامة وصحة ما تعتقده فقط، الأمر الذي يؤدي إلى تكلس وتنميط العقل الحزبي وجعله لا يرى إلا من ثقب محدّد. 
7 – إفتقار معظم الأحزاب إلى رصيد نظري فكري، حيث لا تحفل أدبيات الأحزاب على بحوث ودراسات تتجاوز فترة كتابتها، والإكتفاء بالمنتج الصحفي الإستهلاكي.
ولعلّ هذه العوامل مجتمعة، يضاف إليها ما كانت تمارسه السلطات الإستبدادية، وخاصة نظام الأسد على امتداد أربعة عقود من الزمن، قد أدت كلها إلى حالة من التصحر السياسي، وانعدام إرث سياسي يمكن أن تؤسس عليه الأجيال القادمة.
ولعلّ ما هو مؤلم حقاً أن الأحزاب المعارضة في سورية والتي قدّمت تضحيات هائلة في مواجهتها لنظام الأسد، بل ما قدّمته المعارضة السورية من تضحيات – وخاصة المعارضة الإسلامية – ( شهداء – معتقلون – مهَجرون ) نكاد لا نجد لها مثيلاً في أي بلد عربي في تلك الفترة الزمنية. ولكن على الرغم من كل ذلك فإن المعارضة السورية وأعني ( الأحزاب السياسية بكل توجهاتها ) لم تستطع تجاوز النظام الحاكم أو نظام البعث من حيث آليات التفكير والمنهج في العمل الذي ينعكس على الممارسات والسلوك إنعكاساً مباشراً. ودليل ذلك أن كل الأحزاب في سوريا هي عاجزة الآن عن إنتاج مشروع سياسي يمثل مصالح السوريين، كما هي عاجزة من إحراز حضور فعّال في الثورة السورية.
لئن كان هذا التشخيص الذي لا بدّ منه يوحي إلى صعوبة بناء تجربة تجربة حزبية ناجحة في سورية، فإن هذه الصعوبة ستكون مضاعفة – فيما أعتقد – أمام حزب ( وعد ) وذلك بسبب مرجعيته الإسلامية التي ستكون هي التحدّي الأكبر للحزب.
لقد واجهت أحزاب الإسلام السياسي مشكلة كبيرة كانت هي السبب فيما آلت إليه من كوارث، وتتجسد هذه الإشكالية في نقطتين:
1 – مصدر السلطة هو الدين وليس الشعب، والحاكم أو الرئيس – وفقاً لذلك – هو مُفوّض من الله في حكم العباد، ومخالفته للحاكم تعني مخالفة الله التي تعني ( الكفر ).
2 – حاجيات الواقع الإجتماعي، وشؤون الناس الحياتية، ومعظم الإشكاليات الدنيوية، يتم البحث عن حلول لها في السماء، وإن لم يتوفر حل سماوي بحكم التفاوت في الزمان والمكان فيتم اللجوء إلى إنطاق النصوص بما لم تنطق به، وهذا بدوره يؤدي كبح أية محاولة للدخول في روح العصر.
وما ينبغي توكيده على الدوام أن كل إشكاليات الإسلام السياسي ومآلاته المأسوية لم يكن سببها الدين، بل آليات التفكير التي واجهت النصوص الدينية، وبالتالي تصبح المشكلة في الأشخاص أو العقول البشرية المفكرة وليست في الدين ذاته.
إن التجربة الحزبية التي يحاول حزب ( وعد ) تحديد ملامحها بغية تجسيدها وممارستها في سوريا الراهن والمستقبل، ينبغي أن تراهن على أمرين، إن استطاعت تحقيقهما فذلك ما يمنحها حق الشروع في حياة سياسية في سوريا المستقبل، وهما:
1 – الشعب هو مصدر السلطة، والقناعة بهذه المقولة توجب القناعة بكل تداعيات مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية، والتخلي عن الإمتيازات العقدية التي نؤمن بها.
2 – كما أن الواقع هو مصدر الإشكاليات، فإنه أيضا مصدر الأجوبة على هذه الإشكاليات، وهذا يقودنا إلى اعتماد مفهوم العلمانية بعد تجريدها من مضامينها الإلحادية، وإعادة إنتاجها وفقا لمقتضيات ديننا الإسلامي، وهذا ليس نوعا من التلفيق الثقافي، بل هو مشروع قابل للتحقيق إذا ما توفر له الجهد الفكري الدؤوب والعمل الثقافي المثابر. 
وتأسيساً على ما تقدّم فلا غضاضةً من نزع سمة التقديس أو العصمة عن التجارب الحزبية الإسلامية السابقة، بل إن المراجعة النقدية الجادّة لتلك التجارب ستكون لنا رصيداً يمكن استثماره والاستفادة منه.

3 - الأهداف:
1 – الإنطلاق بمشروع ( وعد ) من إطاره الحزبي الضيق إلى مشروع إجتماعي يستوعب تطلعات جميع السوريين.
2 – إعادة الإعتبار للحياة السياسية والعمل الحزبي في سوريا.
3 – تماهي المشروع الحزبي ل (وعد ) مع أهداف وتطلعات الثورة السورية.
4 – جلاء الصورة الحضارية والمشرقة للدين الإسلامي.

4 - الوسائل والآليات:
1 – العمل الدؤوب – فكرياً وميدانياً – على البحث الدقيق في الواقع الاجتماعي بغية إعداد خطط وبرامج تعمل على إنتاج مشاريع مختلفة الاتجاهات غايتها تقديم خدمات حياتية للمواطنين، وذلك من خلال المكاتب التخصصية في الحزب.
2 – العمل على مأسسة الدولة وتعزيز سلطة القانون والفصل بين السلطات والدفاع عن حرية الرأي وحرية تشكيل الأحزاب.
3 – العمل على إيجاد رؤية نحو حل سياسي للقضية السورية.
4 – التواصل المستمر مع كافة القوى والأحزاب والتيارات الوطنية وهيئات المجتمع المدني، وطرح المبادرات المتواصلة والمتنوعة التي تنسجم مع رؤية الحزب وتوجهاته، ومحاولة إشراك هذه القوى في مشاريع عمل سياسية وغير سياسية للتشجيع على العمل الوطني المشترك.
5 – العمل على إيجاد قنوات تواصل مع العالم الإقليمي والدولي، ليس على مستوى الحكومات فحسب، بل على مستوى الأحزاب والأفراد ومنظمات المجتمع المدني أيضاً.
6 – إعطاء الأولوية للعمل الفكري والثقافي، وفي هذا السياق أقترح أن يتم تشكيل لجنة من عدّة أشخاص ممن تتوفر لديهم الكفاءة الفكرية وتكون مهمتهم هي البحث والإنتاج والتأصيل الفكري لإنتاج دراسات وبحوث تدعم رؤية الحزب الفكرية في سعيه لأن يكون بديلا عن الإسلام السياسي المتطرف.

30 – 9 – 2014
حسن النيفي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق